وقد روى زياد الجصّاص عن أبي كنانة القرشي أنّه سمع أبا موسى الأشعريّ، يقول في خطبته يوم النّحر: بعد يوم النّحر ثلاثة أيام التي ذكر الله الأيام المعدودات لا يردّ فيهن الدّعاء، فارفعوا رغبتكم إلى الله عزّ وجلّ.
وفي الأمر بالذكر عند انقضاء النّسك معنى، وهو أنّ سائر العبادات تنقضي ويفرغ منها، وذكر الله باق لا ينقضي ولا يفرغ منه، بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
وقد أمر الله تعالى بذكره عند انقضاء الصلاة، قال الله تعالى:{فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ}[النّساء: ١٠٣]، وقال تعالى في صلاة الجمعة:{فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً}[الجمعة: ١٠]، وقال الله تعالى: {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧ - ٨].
روي عن ابن مسعود، قال: فإذا فرغت من الفرائض فانصب. وعنه في قوله تعالى:{وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشّرح: ٨] قال: في المسألة، وأنت جالس.
وقال الحسن: أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في الدّعاء والعبادة، والأعمال كلّها يفرغ منها، والذّكر لا فراغ له ولا انقضاء؛ والأعمال (١) تنقطع بانقطاع الدّنيا ولا يبقى منها شيء في الآخرة، والذّكر لا ينقطع. المؤمن يعيش على الذكر، ويموت عليه، وعليه يبعث.
أحسبتم أنّ الليالي غيّرت … عهد الهوى لا كان من يتغيّر
يفنى الزّمان وليس يفنى ذكركم … وعلى محبّتكم أموت وأحشر