للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عزّ وجلّ، وكذلك كلّ ما لا يعلم العبد فيه الخيرة له، كالغنى والفقر وغيرهما، كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه، وإنما يسأل الله عزّ وجلّ على وجه الجزم والقطع مما يعلم أنّه خير محض، كالمغفرة والرّحمة والعفو والعافية والتّقى والهدى ونحو ذلك.

ومنها: تمنيه خوف الفتنة في الدّين، فيجوز حينئذ. وقد تمنّاه ودعا به خشية فتنة الدّين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام. وفي حديث المنام: «وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» (١).

ومنها: تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحصولها، فيجوز ذلك أيضا. وسؤال الصحابة الشهادة وتعرّضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لمّا وقع بالشام.

ومنها: تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عزّ وجلّ، فهذا يجوز أيضا، وقد فعله كثير من السّلف. قال أبو الدّرداء: أحبّ الموت اشتياقا إلى ربّي. وقال أبو عنبة الخولاني: كان من قبلكم لقاء الله أحبّ إليه من الشهد. وقال بعض العارفين: طالت عليّ الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله عزّ وجلّ.


(١) أخرجه: أحمد (١/ ٣٦٨)، والترمذي (٣٢٣٣)، وهو قطعة من حديث «اختصام الملإ الأعلى».
وصححه الترمذي، ونقل عن البخاري أنه صححه أيضا.
وراجع: «العلل» لابن أبي حاتم (٢٦)، وكذا للدارقطني (٦/ ٥٤ - ٥٧)، و «جامع التحصيل» (ص ٢٢٣)، و «زاد المعاد» (١/ ١٣٦ - ١٣٧)، و «النقد البناء» (ص ١٤٥).
وقد أسهب ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ٣١ - ٣٥) في بيان علله ونقل عن البيهقي أنه قال: «روي من أوجه كلها ضعاف».

<<  <   >  >>