للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعضهم: طال شوقي إليك فعجّل قدومي عليك. وقال بعضهم:

لا تطيب نفسي بالموت إلاّ إذا ذكرت لقاء الله عزّ وجلّ؛ فإنني أشتاق حينئذ إلى الموت؛ كشوق الظمآن الشديد ظمؤه في اليوم الحارّ الشديد حرّه إلى الماء البارد الشديد برده، وفي هذا يقول بعضهم:

أشتاق إليك يا قريبا نائي … شوق ظام إلى زلال الماء

وقد دلّ على جواز ذلك قول الله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [البقرة: ٩٤] وقوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} [الجمعة: ٦]، فدلّ ذلك على أنّ أولياء الله لا يكرهون الموت بل يتمنونه، ثم أخبر أنهم {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: ٧]، فدلّ على أنّه إنما يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها، كما قال بعض السلف: ما يكره الموت إلا مريب. وفي حديث عمّار بن ياسر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أسألك لذّة النّظر إلى وجهك وشوقا إلى لقائك، في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة» (١).

فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت، وذلك لا يقع غالبا إلاّ عند خوف ضرّاء مضرّة في الدنيا، أو فتنة مضلّة في الدين. فأمّا إذا خلا عن ذلك، كان شوقا إلى لقاء الله عزّ وجلّ، وهو المسئول في هذا الحديث. وفي «المسند» عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يتمنين الموت إلاّ من وثق بعمله» (٢).

فالمطيع لله مستأنس بربّه، فهو يحبّ لقاء الله، والله يحبّ لقاءه. والعاصي


(١) أخرجه: أحمد (٤/ ٢٦٤)، والنسائي (٣/ ٥٤ - ٥٥).
وصححه الألباني في «صفة الصلاة»، وفي «تخريج الكلم الطيب» (١٠٥).
(٢) أخرجه: أحمد (٢/ ٣٥٠)، وراجع: التعليق على «المسند» طبعة الرسالة.

<<  <   >  >>