للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلّ من كرهه بعموم النّهي عنه، كما في حديث جابر الذي ذكرناه، وفي معناه أحاديث أخر يأتي بعضها إن شاء الله تعالى.

وقد علّل النهي عن تمني الموت في حديث جابر بعلتين:

إحداهما: أنّ هول المطّلع شديد، وهول المطّلع هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا؛ من رؤية الملائكة، ورؤية أعماله من خير أو شرّ، وما يبشّر به عند ذلك من الجنّة والنار، هذا مع ما يلقاه من شدّة الموت وكربه وغصصه.

وفي الحديث الصحيح: «إذا حملت الجنازة وكانت صالحة، قالت:

قدّموني قدّموني، وإن كانت غير ذلك، قالت: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كلّ شيء إلاّ الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق» (١).

قال الحسن: لو علم ابن آدم أنّ له في الموت راحة وفرحا لشقّ عليه أن يأتيه الموت؛ لما يعلم من فظاعته وشدّته وهوله، فكيف وهو لا يعلم ما له في الموت نعيم دائم أو عذاب مقيم.

بكى النّخعي عند احتضاره، وقال: أنتظر ملك الموت لا أدري يبشرني بالجنة أو النار. فالمتمني للموت كأنّه يستعجل حلول البلاء، وإنما أمرنا بسؤال العافية. وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت، فقال: لا تتمنّ الموت؛ فإنّك ميت، ولكن سل الله العافية. قال إبراهيم بن أدهم: إن للموت كأسا لا يقوى عليها إلا خائف وجل مطيع لله كان يتوقّعها.

وقال أبو العتاهية:

ألا للموت كاس أيّ كاس … وأنت لكأسه لا بدّ حاسي


(١) أخرجه: البخاري (٢/ ١٠٨) (١٣١٤)، والنسائي (١/ ٤١).

<<  <   >  >>