للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعمله؛ فإنّه إن مات أحدكم انقطع عنه عمله، وإنّه لا يزيد المؤمن عمره إلاّ خيرا» (١). وفيه عن أمّ الفضل رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع العباس وهو يشتكي يتمنى الموت، فقال: «لا تتمنّ الموت؛ فإنّك إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك، وإن كنت مسيئا فأن تؤخّر تستعتب من إساءتك خير لك» (٢).

وفيه أيضا: عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: جلسنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكّرنا ورقّقنا، فبكى سعد بن أبي وقاص، فأكثر البكاء، وقال: يا ليتني متّ. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا سعد، إن كنت خلقت للجنّة فما طال من عمرك وحسن من عملك، فهو خير لك» (٣).

وفي المعنى أحاديث أخر كثيرة، وكلّها تدلّ على النّهي عن تمني الموت بكل حال، وأنّ طول عمر المؤمن خير له، فإنّه يزداد فيه خيرا. وهذا قد قيل:

إنه يدخل فيه تمنيه للشوق إلى لقاء الله، وفيه نظر، فإنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد تمنّاه في تلك الحال.

واختلف السالكون: أيما أفضل؛ من تمنّى الموت شوقا إلى لقاء الله، أو من تمنى الحياة رغبة في طاعة الله، أو من فوّض الأمر إلى الله ورضي باختياره له ولم يختر لنفسه شيئا.

واستدلّ طائفة من الصحابة على تفضيل الموت على الحياة بقول الله عزّ وجلّ: {وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ} [آل عمران: ١٩٨]. ولكن الأحاديث الصحيحة تدلّ على أنّ عمر المؤمن كلما طال ازداد بذلك ما له عند الله من الخير، فلا ينبغي له أن يتمنّى انقطاع ذلك، اللهم إلا أن يخشى الفتنة على


(١) تقدم.
(٢) أخرجه: أحمد (٦/ ٣٣٩).
(٣) أخرجه: أحمد (٥/ ٢٦٧)، وقال الحافظ في «الفتح» (١٠/ ١٣٠): «سنده ليّن».

<<  <   >  >>