دينه؛ فإنه إذا خشي الفتنة على دينه، فقد خشي أن يفوته ما عند الله من الخير ويتبدّل ذلك بالشر، عياذا بالله من ذلك، والموت خير من الحياة على هذه الحال.
قال ميمون بن مهران: لا خير في الحياة إلا لتائب أو رجل يعمل في الدّرجات. يعني أنّ التائب يمحو بالتوبة ما سلف من السيئات، والعامل يجتهد في علو الدّرجات، ومن عداهما فهو خاسر، كما قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١ - ٣]. فأقسم الله تعالى أنّ كلّ إنسان خاسر إلاّ من اتّصف بهذه الأوصاف الأربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر على الحق. فهذه السورة ميزان للأعمال يزن المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكّر النّاس كلّهم فيها لكفتهم.
رأى بعض المتقدمين النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه، فقال له: أوصني. فقال له:
«من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شرّا من أمسه فهو ملعون، ومن لم يتفقّد الزّيادة في عمله فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له».
قال بعضهم: كان الصّدّيقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس. يشير إلى أنّهم كانوا لا يرضون كل يوم إلا بالزّيادة من عمل الخير، ويستحيون من فقد ذلك ويعدّونه خسرانا، كما قيل:
أليس من الخسران أنّ لياليا … تمرّ بلا نفع وتحسب من عمري
فالمؤمن القائم بشروط الإيمان لا يزداد بطول عمره إلاّ خيرا، ومن كان كذلك فالحياة خير له من الموت. وفي دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم اجعل الحياة