قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربّك يوشك أن تصل.
وإنّ امرأ قد سار ستين حجّة … إلى منهل من ورده لقريب
يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه، إنما تفرح بنقص عمرك. قال أبو الدّرداء والحسن رضي الله عنهما: إنما أنت أيام، كلّما مضى منك يوم مضى بعضك.
وأنشد بعضهم:
إنّا لنفرح بالأيّام نقطعها … وكلّ يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا … فإنّما الرّبح والخسران في العمل
قال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وحياته إلى موته؟!
نجد سرورا بالهلال إذا بدا … وما هو إلاّ السّيف للحتف ينتضى
إذا قيل تمّ الشّهر فهو كناية … وترجمة عن شطر عمر قد انقضى
قال الحسن: الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من ورائكم.
نسير إلى الآجال في كلّ لحظة … وأعمارنا تطوى وهنّ مراحل
ترحّل من الدنيا بزاد من التّقى … فعمرك أيّام وهنّ قلائل (١)
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي مطاياه سارتا به وإن لم يسر.
وما هذه الأيام إلاّ مراحل … يحثّ بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأمّلت أنّها … منازل تطوى والمسافر قاعد
(١) هذان البيتان من (ص، ب).