قال عون بن عبد الله بن عتبة: بنى ملك ممن كان قبلنا مدينة، فتنوّق في بنائها، ثم صنع طعاما ودعا الناس إليه، وأقعد على أبوابها ناسا يسألون كلّ من خرج: هل رأيتم عيبا؟ فيقولون: لا، حتّى جاء في آخر النّاس قوم عليهم أكسية، فسألوهم: هل رأيتم عيبا؟ فقالوا: عيبين. فأدخلوهم على الملك، فقال: هل رأيتم عيبا؟ فقالوا: عيبين، قال: وما هما؟ قالوا: تخرب، ويموت صاحبها. قال: فتعلمون دارا لا تخرب ولا يموت صاحبها؟ قالوا: نعم. قال:
وما هي؟ قالوا: الجنة، فدعوه فاستجاب لهم وانخلع من ملكه وتعبّد معهم.
فحدّث عون بهذا الحديث عمر ابن عبد العزيز، فوقع منه موقعا، حتّى همّ أن يخلع نفسه من الملك، فأتاه ابن عمّه مسلمة، فقال: اتّق الله يا أمير المؤمنين في أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فو الله لئن فعلت ليقتتلنّ بأسيافهم. قال: ويحك يا مسلمة، حمّلت ما لا أطيق، وجعل يردّدها، ومسلمة يناشده حتّى سكن.
بنى بعض ملوك العرب الخورنق والسّدير، فنظر إلى ملكه يوما فقال: هل علمتم أحدا أوتي مثل ما أوتيت؟ فقالوا: لا، ورجل منهم ساكت، فقال: أيّها الملك، إن أذنت لي تكلّمت، فقال: تكلّم، قال: أرأيت ما جمعت، أشيء هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيء كان لمن قبلك وزال عنه، وصار إليك، وكذلك يزول عنك؟ قال: بل كان لمن قبلي، وصار إليّ، ويزول عنّي. قال:
فسررت بشيء تزول عنك لذّته وتبقى تبعته عليك، تكون فيه قليلا وترتهن به طويلا؟ فبكى وقال: أين المهرب؟ قال: إما أن تقيم وتعمل بطاعة ربّك، وإما أن تنخلع من ملكك وتقيم وحدك وتعبد ربّك حتى يأتيك أجلك، قال: فإذا فعلت ذلك فما لي؟ قال: حياة لا تموت، وشباب لا يهرم، وصحة لا تسقم، وملك جديد لا يبلى. فقال: فأيّ خير فيما يفنى؟ والله لأطلبنّ عيشا لا يزول أبدا، فانخلع من ملكه، وسار في الأرض. وفيه يقول عديّ بن زيد أبياته المشهورة السائرة: