للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بضعة عشر يوما، ثم رجع فمرّ بدار أيوب وهي بلاقع، فسأل عنهم، فقيل له:

أصابهم الطاعون فماتوا.

كان يزيد بن عبد الملك، وهو الذي انتهت إليه الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز، له جارية تسمّى حبّابة، وكان شديد الشّغف بها، ولم يقدر على تحصيلها إلاّ بعد جهد شديد، فلمّا وصلت إليه خلا بها يوما في بستان وقد طار عقله فرحا بها، فبينما هو يلاعبها ويضاحكها إذ رماها بحبّة رمّان أو حبّة عنب وهي تضحك، فدخلت في فيها فشرقت بها فماتت، فما سمحت نفسه بدفنها حتّى أراحت، فعوتب على ذلك فدفنها. ويقال: إنّه نبشها بعد دفنها. ويروى أنه دخل بعد موتها إلى خزائنها ومقاصيرها ومعه جارية لها، فتمثلت الجارية فقالت:

كفى حزنا بالواله الصّبّ أن يرى … منازل من يهوى معطّلة قفرا

فصاح وخرّ مغشيّا عليه، فلم يفق إلى أن مضى هويّ من الليل، ثم أفاق فبكى بقيّة ليلته ومن الغد، فدخلوا عليه فوجدوه ميتا. قال بعض السّلف:

ما من حبرة إلاّ تتبعها عبرة، وما كان ضحك في الدّنيا إلاّ كان بعده بكاء.

من عرف الدّنيا حقّ معرفتها حقرها وأبغضها، كما قيل:

أما لو بيعت الدّنيا بفلس … أنفت لعاقل أن يشتريها

ومن عرف الآخرة وعظمتها رغب فيها.

عباد الله، هلمّوا إلى دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبّانها، ولا يتغيّر حسنها وإحسانها، هواؤها النّسيم، وماؤها التّسنيم، يتقلّب أهلها في رحمة أرحم الرّاحمين، وينعمون بالنظر إلى وجهه كلّ حين، {دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [يونس: ١٠].

<<  <   >  >>