غير توبة منه وإصلاح حال، فيستحقّ النّار بعمله؛ قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ}[محمّد: ١٢]. وهذا هو الميت حقيقة؛ فإنّ الميت من مات قلبه، كما قيل:
ليس من مات فاستراح بميت … إنّما الميت ميّت الأحياء
وإمّا أن يقارب موته ثم يعافى، وهو من أفاق من هذه السكرة وتاب، وأصلح عمله قبل موته. وقد قال علي رضي الله عنه في كلامه المشهور في أقسام حملة العلم: أو منهوم باللذات سلس القياد للشهوات، أو مغرى بجمع الأموال والادخار، وليسوا من رعاة الدين أقرب شبها بهم الأنعام السارحة.
وفي الأبيات المشهورة التي كان عمر بن عبد العزيز ينشدها كثيرا.
نهارك يا مغرور سهو وغفلة … وليلك نوم والرّدى لك لازم
وتتعب فيما سوف تكره غبّه … كذلك في الدّنيا تعيش البهائم
وأمّا استثناؤه صلّى الله عليه وسلّم من ذلك «آكلة الخضر» فمراده بذلك مثل المقتصد الذي يأخذ من الدنيا بحقّها مقدار حاجته، فإذا نفد واحتاج عاد إلى الأخذ منها قدر الحاجة بحقّه. و «آكلة الخضر»: دويبة تأكل من الخضر بقدر حاجتها إذا احتاجت إلى الأكل، ثم تصرفه عنها فتستقبل عين الشمس، فتصرف بذلك ما في بطنها وتخرج منه ما يؤذيها من الفضلات. وقد قيل: إنّ الخضر ليس من نبات الربيع عند العرب، إنما هو من كلإ الصيف بعد يبس العشب وهيجه واصفراره، والماشية من الإبل لا تستكثر منه، بل تأخذ منه قليلا قليلا، ولا تحبط بطونها منه.
فهذا مثل المؤمن المقتصد من الدنيا؛ يأخذ من حلالها وهو قليل بالنسبة إلى حرامها، قدر بلغته وحاجته، ويجتزئ من متاعها بأدونه وأخشنه، ثم لا يعود