للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تصير حطاما يابسا. وقد عدّد سبحانه زينة الدّنيا ومتاعها المبهج في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: ١٤].

وهذا كلّه يصير ترابا، ما خلا الذهب والفضة، ولا ينتفع بأعيانهما، بل هما قيم الأشياء، فلا ينتفع صاحبهما بإمساكهما، وإنما ينتفع بإنفاقهما، ولهذا قال الحسن: بئس الرفيق الدّرهم والدّينار، لا ينفعانك حتى يفارقانك.

وأجسام بني آدم، بل وسائر الحيوانات، كنبات الأرض تتقلّب من حال إلى حال، ثم تجفّ وتصير ترابا، قال الله تعالى: {وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً} [نوح: ١٧ - ١٨].

وما المرء إلاّ كالنّبات وزهره … يعود رفاتا بعد ما هو ساطع

فينتقل ابن آدم [في أطواره إلى الشّباب، ثم ينتقل] (١) من الشباب إلى الهرم، ومن الصحة إلى السّقم، ومن الوجود إلى العدم، كما قيل:

وما حالاتنا إلاّ ثلاث … شباب ثمّ شيب ثمّ موت

وآخر ما يسمّى المرء شيخا … ويتلوه من الأسماء ميت

مدة الشباب قصيرة كمدة زهر الربيع وبهجته ونضارته، فإذا يبس وابيضّ فقد آن ارتحاله، كما أنّ الزرع إذا ابيضّ فقد آن حصاده. وأجلّ زهور الربيع الورد، ومتى كثر فيه البياض فقد قرب زمن انتقاله. قال وهيب بن الورد:

إنّ لله ملكا ينادي في السّماء كلّ يوم: أبناء الخمسين، زرع دنا حصاده.


(١) زيادة من (أ).

<<  <   >  >>