للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عيون من لجين ناظرات … بأحداق هي الذّهب السّبيك

على قضب الزّبرجد شاهدات … بأنّ الله ليس له شريك

وأنّ محمدا أزكى البرايا … إلى الثقلين أرسله المليك (١)

سبحان من سبّحت المخلوقات بحمده، فملأ الأكوان تحميده، وأفصحت الكائنات بالشهادة بوحدانيته، فوضح توحيده، يسبّحه النبات جمعه وفريده، والشّجر عتيقه وجديده، ويمجّد رهبان الأطيار في صوامع الأشجار، فيطرب السّامع تمجيده، كلّما درّس الهزار درس شكره فالبلبل بالحمد معيده، وكلّما أقام خطيب الحمام النّوح على منابر الدّوح هيّج المستهام نوحه وتغريده.

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [العنكبوت: ١٩].

وا عجبا للمتقلب بين مشاهدة حكمه وتناول نعمه، ثم لا يشكر نعمه ولا يبصر حكمه، وأعجب من ذلك أن يعصى المنعم بنعمه، هذا عود شجر الكرم يكون يابسا طول الشتاء، ثم إذا جاء الرّبيع دبّ فيه الماء واخضر، ثم يخرج الحصرم فينتفع الناس به حامضّا، ويتناولون منه طبخا واعتصارا، ثم ينقلب حلوا فينتفع الناس به حلوا رطبا ويابسا، ويستخرجون منه ما ينتفعون بحلاوته طول العام، وما يأتدمون بحمضه وهو نعم الإدام.

فهذه التنقّلات توجب للعاقل الدّهش والتعجّب من صنع صانعه وقدرة خالقه، فينبغي له أن يفرغ عقله للتفكّر في هذه النعم والشكر عليها. وأمّا الجاهل فيأخذ العنب فيجعله خمرا فيغطي به العقل الذي ينبغي أن يستعمل في الفكر والشّكر، حتى ينسى خالقه المنعم عليه بهذه النّعم كلّها، فلا يستطيع بعد السّكر أن يذكره ولا يشكره، بل ينسى من خلقه ورزقه، فلا يعرفه في سكره بالكلّيّة، وهذه نهاية كفران النّعم.


(١) هذا البيت من (أ).

<<  <   >  >>