للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال كعب: إنّ الله تعالى قال لموسى عليه السّلام: إنّي آليت على نفسي أنّه من عطّش نفسه لي أن أرويه يوم القيامة. وقال غيره: مكتوب في التوراة: طوبى لمن جوّع نفسه ليوم الشبع الأكبر، طوبى لمن عطّش نفسه ليوم الرّيّ الأكبر.

قال الحسن: تقول الحوراء لوليّ الله وهو متكئ معها على نهر الخمر في الجنّة تعاطيه الكأس في أنعم عيشة: أتدري أي يوم زوجنيك الله؟ إنّه نظر إليك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين، وأنت في ظمإ هاجرة، من جهد العطش، فباهى بك الملائكة، وقال: انظروا إلى عبدي، ترك زوجته ولذّته وطعامه وشرابه من أجلي؛ رغبة فيما عندي، اشهدوا أنّي قد غفرت له؛ فغفر لك يومئذ وزوجنيك.

لمّا سار عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام كان معاوية يسأله أن يرفع إليه حوائجه فيأبى، فلمّا أكثر عليه، قال: حاجتي أن تردّ عليّ من حرّ البصرة، لعلّ الصّوم أن يشتدّ عليّ شيئا؛ فإنّه يخفّ عليّ في بلادكم.

نزل الحجّاج في بعض أسفاره بماء بين مكة والمدينة، فدعا بغدائه، ورأى أعرابيّا فدعاه إلى الغداء معه، فقال له: دعاني من هو خير منك فأجبته. قال:

ومن هو؟ قال: الله تعالى، دعاني إلى الصيام فصمت. قال: في هذا الحرّ الشديد؟! قال: نعم، صمت ليوم هو أشدّ منه حرّا. قال: فأفطر وصم غدا، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد أفطرت، قال: ليس ذلك إليّ، قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه.

خرج ابن عمر في سفر معه أصحابه، فوضعوا سفرة لهم، فمرّ بهم راع فدعوه إلى أن يأكل معهم، قال: إني صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشديد حرّه وأنت بين هذه الشّعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟! فقال:

<<  <   >  >>