من كان حين تصيب الشّمس جبهته … أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا
ويألف الظّلّ كي تبقى بشاشته … فسوف يسكن يوما راغما جدثا
في ظلّ مقفرة غبراء مظلمة … يطيل تحت الثرى في غمّها اللّبثا
تجهّزي بجهاز تبلغين به … يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثا
وممّا يضاعف ثوابه في شدّة الحرّ من الطّاعات الصّيام؛ لما فيه من ظمإ الهواجر؛ ولهذا كان معاذ بن جبل يتأسّف عند موته على ما يفوته من ظمإ الهواجر، وكذلك غيره من السّلف. وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يصوم في الصّيف ويفطر في الشتاء.
ووصّى عمر رضي الله عنه عند موته ابنه عبد الله، فقال له: عليك بخصال الإيمان، وسمّى أوّلها الصّوم في شدّة الحر في الصيف. قال القاسم بن محمد: كانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحرّ الشديد. قيل له: ما حملها على ذلك؟ قال: كانت تبادر الموت. وكان مجمّع التيميّ يصوم في الصيف حتى يسقط.
كانت بعض الصّالحات تتوخّى أشدّ الأيام حرّا فتصومه، فيقال لها في ذلك، فتقول: إنّ السّعر إذا رخص اشتراه كلّ أحد؛ تشير إلى أنّها لا تؤثر إلاّ العمل الذي لا يقدر عليه إلاّ قليل من الناس؛ لشدّته عليهم. وهذا من علوّ الهمّة.
كان أبو موسى الأشعري في سفينة، فسمع هاتفا يهتف: يا أهل المركب، قفوا، يقولها ثلاثا، فقال أبو موسى: يا هذا، كيف نقف؟ أما ترى ما نحن فيه، كيف نستطيع وقوفا؟ فقال الهاتف: ألا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه؟ قال: بلى، أخبرنا، قال: فإنّ الله قضى على نفسه أنّه من عطّش نفسه لله في يوم حارّ؛ كان حقّا على الله أن يرويه يوم القيامة. فكان أبو موسى يتوخّى ذلك اليوم الحارّ الشديد الحرّ، الذي يكاد الإنسان ينسلخ منه، فيصومه.