للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوم القيامة؛ لأنّ وجدان الناس لحرّها عند المرور عليها بحسب ذنوبهم؛ فمن طهّر من الذّنوب ونقّي منها في الدنيا، جاز على الصراط كالبرق الخاطف والرّيح، ولم يجد شيئا من حرّ النار، ولم يحسّ بها، تقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي. وفي حديث جابر المرفوع في «مسند الإمام أحمد» «أنّهم يدخلونها فتكون عليهم بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم حتى إنّ للنار ضجيجا من بردهم» (١).

ومن أعظم ما يذكّر بنار جهنّم: النّار التي في الدنيا، قال الله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً} [الواقعة: ٧٣]، يعني أنّ نار الدنيا جعلها الله تذكرة تذكّر بنار الآخرة. مرّ ابن مسعود بالحدّادين وقد أخرجوا حديدا من النار، فوقف ينظر إليه ويبكي. وروي عنه أنّه مرّ على الذين ينفخون الكير فسقط. وكان أويس يقف على الحدّادين فينظر إليهم كيف ينفخون الكير، ويسمع صوت النّار، فيصرخ، ثم يسقط، وكذلك الرّبيع بن خثيم.

وكان كثير من السّلف يخرجون إلى الحدّادين ينظرون إلى ما يصنعون بالحديد، فيبكون ويتعوّذون بالله من النّار. ورأى عطاء السّليمي امرأة قد سجرت تنورها، فغشي عليه. قال الحسن: كان عمر ربّما توقد له النار، ثم يدني يده منها، ثم يقول: يا ابن الخطاب، هل لك على هذا صبر؟ كان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح فيضع أصبعه فيه، ويقول: حسّ ثم يعاقب نفسه على ذنوبه. أجّج بعض العبّاد نارا بين يديه وعاتب نفسه، فلم يزل يعاتبها حتى مات.

نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنّم، وغسلت بالبحر مرتين حتى


(١) أخرجه: أحمد (٣/ ٣٢٩).

<<  <   >  >>