ومعنى كونها غنيمة باردة أنّها غنيمة حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقّة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة.
وأمّا قيام ليل الشتاء، فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظّها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، فيقرأ المصلّي ورده كلّه من القرآن وقد أخذت نفسه حظّها من النوم، فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن، فيكمل له مصلحة دينه وراحة بدنه. ومن كلام يحيى بن معاذ: الليل طويل فلا تقصّره بمنامك، والإسلام نقيّ فلا تدنّسه بآثامك.
بخلاف ليل الصيف، فإنه لقصره وحرّه يغلب النوم فيه فلا تكاد تأخذ النفس حظّها بدون نومه كلّه، فيحتاج القيام فيه إلى مجاهدة، وقد لا يتمكّن فيه لقصره من الفراغ من ورده من القرآن.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر في النّهار للصيام. وروي عنه مرفوعا ولا يصحّ رفعه.
وعن الحسن، قال: نعم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه. وعن عبيد بن عمير أنّه كان إذا جاء الشتاء، قال: يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا.
قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف، ولهذا بكى معاذ رضي الله عنه عند موته، وقال: إنّما أبكي على ظمإ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالرّكب عند حلق الذكر. وقال معضد: لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجّد بكتاب الله، ما باليت أن أكون يعسوبا.
القيام في ليل الشتاء يشقّ على النفوس من وجهين:
أحدهما: من جهة تألّم النفس بالقيام من الفراش في شدّة البرد؛ قال داود ابن رشيد: قام بعض إخواني إلى ورده بالليل في ليلة شديدة البرد، فكان عليه