للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال مالك رحمه الله: كان صفوان بن سليم يصلّي - يعني بالليل - في الشتاء في السّطح، وفي الصيف في بطن البيت، يتيقّظ بالحرّ والبرد حتى يصبح، ثم يقول: هذا الجهد من صفوان، وأنت أعلم به، وإنه لترم رجلاه حتّى يعود مثل السّقط من قيام الليل، ثم يظهر فيها عروق خضر. وكان صفوان وغيره من العبّاد يصلّون في الشتاء بالليل في ثوب واحد، ليمنعهم البرد من النوم. ومنهم من كان إذا نعس ألقى نفسه في الماء، ويقول: هذا أهون من صديد جهنّم.

كان عطاء الخراساني ينادي أصحابه بالليل: يا فلان، يا فلان، يا فلان، قوموا فتوضّئوا وصلّوا؛ فقيام هذا الليل، وصيام هذا النهار أهون من شرب الصّديد ومقطعات الحديد غدا في النار. الوحا الوحا، النّجاء النجاء.

كان قوم من العبّاد يبيتون في مسجد، وكانوا يتهجّدون بالليل، فاستيقظ واحد منهم ليلة فوجد إخوانه نياما؛ فسمع هاتفا يهتف من جانب المسجد:

أيا عجبا للنّاس من قرّت عيونهم … مطاعم غمض بعدها الموت منتصب

وطول قيام الليل أيسر مؤنة … وأهون من نّار تفور وتلتهب

وفي الحديث الصحيح «أنّ ابن عمر رأى في منامه كأنّ آتيا أتاه فانطلق به إلى النار حتى رآها، ورأى فيها رجالا يعرفهم معلّقين بالسلاسل. فأتاه ملك، فقال له: لم ترع، لست من أهلها. فقصّ ذلك على أخته حفصة، فقصّته حفصة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل. فكان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلاّ قليلا» (١).

قال الحسن: أفضل العبادة الصّلاة في جوف الليل. وقال: هو أقرب ما يتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ. وقال: ما وجدت في العبادة أشدّ منها. ورئي


(١) أخرجه: البخاري (٩/ ٤٧) (١١٢٢) (٣٧٣٩)، ومسلم (٧/ ١٥٨) (٢٤٧٩).

<<  <   >  >>