للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لهم، قال الله تعالى: {وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ} [النّحل: ٥]، وقال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ} [النّحل: ٨٠].

روى ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصيّة: إنّ الشتاء قد حضر وهو عدوّ فتأهّبوا له أهبته من الصّوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصّوف شعارا ودثارا؛ فإنّ البرد عدوّ؛ سريع دخوله، بعيد خروجه.

وإنما كان يكتب بذلك عمر إلى أهل الشام لمّا فتحت في زمنه، فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممّن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذّى ببرد الشام؛ وذلك من تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه.

وروي عن كعب، قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السّلام: أن تأهّب لعدوّ قد أظلّك. قال: يا رب، من عدوّي وليس بحضرتي عدوّ؟ قال: بلى، الشّتاء.

وليس المأمور به أن يتّقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلّيّة؛ فإنّ ذلك يضرّ أيضا. وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحرّ والبرد بالكلية حتى لا يحسّ بهما بدنه، فتلف باطنه وتعجّل موته. فإنّ الله تعالى بحكمته جعل الحرّ والبرد في الدنيا لمصالح عباده؛ فالحرّ لتحلّل الأخلاط، والبرد لجمودها؛ فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر والبرد تعجّل فسادها، ولكن المأمور به اتقاء ما يؤذي البدن من ذلك، فإنّ الحرّ المؤذي والبرد المؤذي معدودان من جملة أعداء بني آدم.

قيل لأبي حازم الزاهد: إنّك لتشدد، يعني في العبادة، فقال: وكيف لا أشدّد وقد ترصّد لي أربعة عشر عدوّا. قيل له: لك خاصّة؟ قال: بل لجميع

<<  <   >  >>