ذكر ابن أبي الدنيا بإسناد له: أنّ رجلا من ملوك البصرة كان قد تنسّك، ثم مال إلى الدّنيا والشيطان، فبنى دارا وشيّدها، وأمر بها ففرشت له ونجّدت، واتّخذ مأدبة، وصنع طعاما ودعا الناس، فجعلوا يدخلون فيأكلون ويشربون وينظرون إلى بنائه ويعجبون منه، ويدعون له ويتفرّقون. فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس ثم جلس في نفر من خاصّة إخوانه، فقال: قد ترون سروري بداري هذه، وقد حدّثت نفسي أن أتخذ لكلّ واحد من ولدي مثلها، فأقيموا عندي أياما أستمتع بحديثكم وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء لولدي، فأقاموا عنده أياما يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبني لولده، وكيف يريد أن يصنع، فبينما هم ذات ليلة في لهوهم إذ سمعوا قائلا يقول من أقاصي الدّار:
يا أيّها الباني النّاسي منيّته … لا تأمننّ فإنّ الموت مكتوب
على الخلائق إن سرّوا وإن فرحوا … فالموت حتف لذي الآمال منصوب
قال: ففزع من ذلك وفزع أصحابه فزعا شديدا، وراعهم ما سمعوا من ذلك، فقال لأصحابه: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فهل تجدون ما أجد؟ قالوا: وما تجد؟ قال: أجد والله مسكة على قلبي ما أراها إلا علّها الموت. قالوا: كلا، بل البقاء والعافية. قال: فبكى، وقال: أنتم أخلاّئي وإخواني فما لي عندكم؟ قالوا: مرنا بما أحببت. قال: فأمر بالشراب فأهريق، وبالملاهي فأخرجت. ثم قال: اللهم، إنّي أشهدك ومن حضر من عبادك أنّي تائب إليك من جميع ذنوبي، نادم على ما فرّطت أيام مهلتي، وإياك أسأل إن أقلتني أن تتمّ عليّ نعمتك بالإنابة إلى طاعتك، وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضّلا منك عليّ. واشتدّ به الأمر فلم