فانتبه لذلك وسرد الصوم. وروي أنّ الصائمين توضع لهم مائدة تحت العرش، فيأكلون والناس في الحساب، فيقول الناس: ما بال هؤلاء يأكلون ونحن نحاسب؟ فيقال: كانوا يصومون وأنتم تفطرون. وروي أنّهم يحكّمون في ثمار الجنّة والناس في الحساب.
روى ذلك ابن أبي الدنيا في «كتاب الجوع». قال الله تعالى:{وَالصّائِمِينَ وَالصّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[الأحزاب: ٣٥]. وقال:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ}[الحاقّة: ٢٤].
قال مجاهد وغيره: نزلت في الصّوّام. من ترك لله طعامه وشرابه وشهوته عوّضه الله خيرا من ذلك طعاما وشرابا لا ينفد، وأزواجا لا تموت.
في التوراة: طوبى لمن جوّع نفسه ليوم الشبع الأكبر، طوبى لمن أظمأ نفسه ليوم الرّيّ الأكبر، طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره، طوبى لمن ترك طعاما ينفد في دار تنفد، لدار {أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها}[الرّعد: ٣٥].
من يرد ملك الجنان … فليذر عنه التّواني
وليقم في ظلمة اللّي … ل إلى نور القران
وليصل صوما بصوم … إنّ هذا العيش فاني
إنّما العيش جوار … الله في دار الأمان
كان بعض الصالحين يكثر الصوم، فرأى في منامه كأنّه دخل الجنة، فنودي من ورائه: يا فلان، تذكر أنك صمت لله يوما قط؟ قال: إي والله، يوم ويوم ويوم، فإذا صواني النّثار قد أخذته يمنة ويسرة.
كان بعض الصالحين قد صام حتى انحنى وانقطع صوته، فمات فرئي بعض.