للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحابه في المنام، فسئل عن حاله، فقال:

قد كسي حلّة البهاء وطافت … بأباريق حوله الخدّام

ثم حلّي وقيل: يا قارئ ارقه … فلعمري لقد براك الصّيام

صام بعض التابعين حتى اسودّ من طول صيامه. وصام الأسود بن يزيد حتى اخضر جسمه واصفرّ، فكان إذا عوتب في رفقه بجسده يقول: كرامة هذا الجسد أريد. وصام بعضهم حتى وجد طعم دماغه في حلقه. كان بعضهم يسرد الصّوم، فمرض وهو صائم، فقالوا له: أفطر، فقال: ليس هذا وقت ترك. وقيل لآخر منهم وهو مريض: أفطر، فقال: كيف أفطر وأنا أسير لا أدري ما يفعل بي.

مات عامر بن عبد الله بن الزّبير وهو صائم ما أفطر. ودخلوا على أبي بكر بن أبي مريم وهو في النّزع، وهو صائم، فعرضوا عليه ماء ليفطر، فقال: أغربت الشّمس؟ قالوا: لا، فأبى أن يفطر، ثم أتوه بماء وقد اشتدّ نزعه، فأومأ إليهم: أغربت الشمس؟ قالوا: نعم، فقطّروا في فيه قطرة من ماء ثم مات. واحتضر إبراهيم بن هانئ صاحب الإمام أحمد وهو صائم، فطلب ماء، وسأل: أغربت الشمس؟ فقالوا: لا، وقالوا له: قد رخّص لك في الفرض وأنت متطوّع، قال: امهل، ثم قال: امهل، ثم قال: {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ} [الصّافات: ٦١]، ثم خرجت نفسه وما أفطر.

الدنيا كلّها شهر صيام المتقين، وعيد فطرهم يوم لقاء ربّهم، ومعظم نهار الصوم قد ذهب، وعيد اللّقاء قد اقترب.

وقد صمت عن لذّات دهري كلّها … ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي

ولما كان الصّيام سرّا بين العبد وربّه اجتهد المخلصون في إخفائه بكلّ طريق، حتى لا يطّلع عليهم أحد.

<<  <   >  >>