قال بعض السلف: بلغنا عن عيسى بن مريم عليه السّلام أنه قال: إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته ويمسح شفتيه من دهنه، حتى ينظر إليه الناظر فيظنّ أنه ليس بصائم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: إذا أصبح أحدكم صائما فليترجّل، يعني يسرّح شعره ويدهنه؛ وإذا تصدّق بصدقة عن يمينه فليخفها عن شماله، وإذا صلّى تطوعا فليصلّ داخل بيته. وقال أبو التّيّاح: أدركت أبي ومشيخة الحيّ، إذا صام أحدهم ادّهن ولبس صالح ثيابه.
صام بعض السّلف أربعين سنة لا يعلم به أحد؛ كان له دكّان، فكان كلّ يوم يأخذ من بيته رغيفين، ويخرج إلى دكّانه، فيتصدّق بهما في طريقه، فيظنّ أهله أنه يأكلهما في السوق، ويظنّ أهل السوق أنه قد أكل في بيته قبل أن يجيء.
اشتهر بعض الصالحين بكثرة الصّيام فكان يقوم يوم الجمعة في مسجد الجامع فيأخذ إبريق الماء، فيضع بلبلته في فيه ويمصّها والنّاس ينظرون إليه ولا يدخل حلقه منه شيء؛ لينفي عن نفسه ما اشتهر به من الصّوم.
كم يستر الصّادقون أحوالهم وريح الصّدق ينمّ عليهم.
ما أسرّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية.
كم أكتم حبّكم عن الأغيار … والدّمع يذيع في الهوى أسراري
كم أستركم هتكتموا أستاري … من يخفي في الهوى لهيب النّار
ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فكلّما اجتهد صاحبه على إخفائه فاح ريحه للقلوب فتستنشقه الأرواح، وربّما ظهر بعد الموت ويوم القيامة.
فكاتم الحبّ يوم البين منهتك … وصاحب الوجد لا تخفى سرائره
لمّا دفن عبد الله بن غالب كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك، فرئي في