للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى العادة به فيه من حدوث حر وبرد، وجزر ومد، وتبدّل خصب وجدب، ورخاء عيش وبؤس، ومن ظهور نبات وأوان لقاح، أو ولاد وصبوب أمطار وهبوب أرواح لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعلّموا من النّجوم ما تعرفون به ساعات اللّيل والنّهار، وهداية الطّرق والسّبل» فقدّر أكثر الناس أنّ الزّمان لا يكون غيرها ولا يعدوها إلى ما سواها، ولهذا الّذي تبينته، أو أشرت إليه ذكر أبو الهذيل بعد تحديد الزّمان اللّيل والنّهار هما الأوقات لا غير.

واعلم أنّ الذين زعموا أن الزّمان شيء غير اللّيل والنّهار، وغير دوران الفلك وليس بجسم ولا عرض، ثم قالوا: لا يجوز أن يخلق الله شيئا إلّا في وقت ولا يفنى الوقت، فيقع أفعال لا في أوقات لأنه لو فني الوقت لم يصح تقدّم بعضها على بعض ولا تأخّر بعضها عن بعض، ولم يتبيّن ذلك فيها، وهذا محال قولهم داخل في أقوال الذين يقولون: إن الزّمان والمكان المطلقين، ويعرب عنهما عند التّحقيق بالدّهر والخلاء جوهران قائمان بأنفسهما، والكلام عليهم يجيء بعد تنويع فرقهم وبيان طرقهم فنقول: بالله الحول والقوة من زعم أنّ الأزلي أكثر من واحد أربع فرق:

الأولى: الذين يقولون هما اثنان الفاعل والمادة فقط ويعني بالمادة الهيولى.

الثانية: الذين يدّعون أنّ الأزلي ثلاثة الفاعل والمادّة والخلاء.

الثّالثة: الذين يدّعون أنه الفاعل والمادة والخلاء والمدّة.

الرّابعة: الفرقة التي زعيمهم محمد بن زكريا، المتطبب لأنه زاد عليهم النّفس الناطقة، فبلغ عدد الأزلي خمسة بهذيانه.

وشرح مذهبهم أنه لم يزل خمسة أشياء، اثنان منها حيّان فاعلان وهما: الباري والنفس، وواحد منفعل غير حي وهو الهيولى الذي منه كوّنت جميع الأجسام الموجودة، واثنان لا حيّان ولا فاعلان ولا منفعلان وهما الخلاء والمادة، إلى خرافات لا تطيق اليد بيانها بالخط، ولا اللّسان تحصيلها باللّفظ، ولا القلب تمثيلها بالوهم، فمما يزعمه أن الباري تام الحكمة لا يلحقه سهو ولا غفلة، وتفيض منه الحياة كفيض النّور عن قرصة الشّمس، وهو العقل التام المحض، والنفس تفيض منه الحياة كفيض النور، وهي مترجّحة بين الجهل والعقل كالرّجل يسهو تارة، ويصحو أخرى، وذلك لأنها إذا نظرت نحو الباري الذي هو عقل محض غفلت وأفقت، وإذا نظرت نحو الهيولى التي هي جهل محض غفلت وسهت، وأقول متعجبا لولا الكرى لم يحلم وهذا كما قال غيري، أليس من العجائب هذيانه في القدماء الخمسة، وما يعتقده من وجود العالم لحدوث العلّة وما يدّعيه من وجود الجوهرين الأزليين أعني الخلاء والمدّة لا فعل لهما ولا انفعال، فلولا خذلان الله إياه، وإلا

<<  <   >  >>