ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان ... أمل عليها بالبلى الملوان
وهذا تثنية ملا، وفسّر أمل عليها: طال عليها. قال الشيخ: ويجوز عندي أن يكون أمل من إملال الكتاب، يقال: أمل الدّروس والخلوقة عليها الملوان، ويكون الباء في قوله:
بالبلى: إن شئت زائدة للتأكيد، وإن شئت قلت: أراد بسبب البلى ويكون مفعول أملى محذوفا.
وذكر بعض النّظار أنّ قولهم: ملوان لا يكون اللّيل والنّهار بدلالة قول ابن مقبل نهار، وليل دائم ملواهما. والشيء لا يضاف إلى نفسه ولكنّه المتّسع من الدّهر، ولو قيل: غدّوهما وعشيّهما كان أشبه. وقال ابن أحمر شعرا:
ليهنكم أنّا نزلنا ببلدة ... كلا ملوة بها ميبس غير منعم
وقد تصرّفوا في هذه اللّفظة على أبينة مختلفة فقالوا: لقيت عنده ملوة من الدّهر وملوة ومليا. قال الله تعالى: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا
[سورة مريم، الآية: ٤٦] ومضت ملاوة من الدّهر وملاؤه وملاوة. قال أبو ذؤيب شعرا:
حتّى إذا جزرت مياه رزوبة ... وبأيّ حزّ ملاؤه يتقطّع
ومن هذا قوله تعالى: فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ
[سورة الحج، الآية: ٤٤] أي أخّرت النّقمة منهم يقال: أملى الله لفلان العمر: أي أخّر عنه أجله، وقوله: بأيّ حز ملاوة، لفظة استفهام والمعنى معنى الخبر أي: تنقطع تلك المياه في حين، وأي حين، والمراد في أشدّ ما كان حاجة إليها عند انتهاء الحر وذهاب الرّطب، وانتشاف الغدران، وهذا كما تقول: في أيّ حين ووقت زيدا حين تمكّن العدوّ منه، وضاقت المسالك به، ويقال: على أيّ حزة أتانا فلان؟ أي أي ساعة وحين، وجئتنا على حزّة منكرة، وكأنّه يعني ما حزّ من الدّهر أي قطع، وإنّما أضاف الحزّة إلى الملاوة، وهما اسمان للوقت، لأنّ المراد بأيّ ساعة من الدّهر، فالحز اسم للجزء اليسير. والملاوة: للممتد المتّصل، وهذا كإضافة البعض إلى الكل، ويقال: تملّيت حبيبا: أي عايشته طويلا ملاوة وحينا، وملاك الله نعمة أي أدامها وأطال وقتها، وقال الأسود بن يعفر:
آليت لا أشريه حتّى يملّني ... وآليت لا أملاه حتّى تعارقا
قال قطرب: قوله: أملاه أتى به على مليه: بلاه وقالوا: أملاك الجديدان والأجدان والفتنان: أي اللّيل والنّهار، وابنا سمير، وكل ذلك اشتقاقه وطريقته ظاهر، قال:
لم يلبث الفتنان أن عصفا بهم ... ليل يكرّ عليهم ونهار