إلى ما أخبر به ابنه الأول، فلما أصبح تحمّل جهة ما أخبر به الأخير ابنه، ففزع بنوه وقالوا:
اهتزّ الشّيخ فقالوا: تذهب إلى أرض بها النّاس وتدع أرضا قفرا لا يرعاها أحد معك؟ قال:
إنّ تلك طغوة لا وأخيك وقد وجد أخوكم هذا الأخير حياء العام وعام مقبل ما يبقى من هذا العام، قال: فمضى واتّبعوه قوله: يشبع منه النّاب وهي تعدو، ويعني لطوله واتّصاله لا تحتاج أن تقف عليه ولا أن تتبعه. قال: وقال رائد مرة، تركت الأرض مخضرة كأنها حولاء بها بصيصة رقطا، وعرفجة خاصبة، وعوسج كأنه النّعام من سواد، وهذا كما قال الآخر:
وجدت جرادا كأنه نعامة باركة، يريد كثرة العشب وسواده وشدّة الخضرة سواده، قال:
وسأل أبو زياد الكلابي صقيلا العقيلي حين قدم من البادية عن طريقه، فقال: انصرفت من الحج فأصعدت إلى الرّبذة في مقاط الحرة، فوجدت بها صلالا من الرّبع من خضمة وصليان وقرمل حتى لو شئت لأنخت الإبل في أزراء القفعاء، فلم أزل في مرعى لا أحسّ منه شيئا حتى بلغت أهلي. الصّلال: أمطار متفرقة. والقفعاء نبت من الذّكور يقول: أخصبت حتى صارت تستر البعير البارك.
وقال آخر: رأيت ببطن فلج منظرا من الكلأ لا أنساه، وجدت الصّفراء والخزامى يضربان نحر الإبل، وتحتها قفعاء، وحريث قد أطاع وأمسك بأفواه الإبل أغناها عن كل شيء وإذا نقع الجوذان في الاجارع فذلك غاية ريّ الأرض لأنّ الإجارع أشرب للماء، وإذا نقع الماء في الإجارع غرقت الأجالد، وقال ابن كناسة: بعث قوم رائدا فقيل: ما وراءك؟
فقال: عشب وتعاشيب وكماة متفرقة شيب تندسها بأخفافها النّيب، فقيل: هذا كذب.
فأرسلوا آخر، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: عشب ثاد ماد، مولى عهد، متدارك جعد، كأفخاذ نساء بني سعد، تشبع منها النّاب وهي تعدو. وقد مضى تفسير ما فيه من الغريب.
وبعث رجل بنين له يرتادون في خصب فقال أحدهم: رأيت ماء غللا يسيل سيلا، وخوصه يميل ميلا، يحسبها الرّائد ليلا. وقال الثّاني: وجدت ديمة على ديمة في عهاد غير قديمة، يشبع منها النّاب قبل العظيمة. الغلل: الماء يجري في أصول الشّجر. وقال بعضهم: إذا أحيي النّاس قيل: قد أكلأت الأرض، واجرنفشت العنز لأختها، ولحس الكلب الوضر اجرنفاشها، آزييرارها، وزفيانها في أحد شقّيها لتنطح صاحبتها، وإنّما ذلك من الأشر حين سمنت فأخضبت. ولحسس الكلب: يعني أنّه يجد وضرا ويلحسه، وإذا كانوا مجدبين لم يتركوا للكلب شيئا. وقيل لرجل منهم: ما أخصب ما رأيت البادية؟ قال: رأيت الكلب يمرّ بالخصفة عليها الخلاصة فيشمّها ويتركها. وقال أعرابي: وقد قيل له: ما تركت وراءك؟ قال: خلّفت الضّأن تظالم معزاها، يعني أنّها لنشاطها تنطح بعضها بعضا.
وقال أبو زياد: بعث قوم رائدا لهم، فلمّا رجع إليهم قالوا له: ما وراءك؟ قال: رأيت