بقلا يشبع منها الجمل البروك، وتشكّت منه النساء وهمّ الرّجل بأخيه. قال أبو زياد: لم يطل العشب بعد، فإذا أقام البعير قائما لم يتمكّن منه.
وتشكّت النّساء اتّخذن الشّكّاء الصّغار، لأنّ اللّبن لم يكثر بعد. وقوله: وهمّ الرجل بأخيه: أي همّ أن يدعوه إلى منزله، ولم يتّسع له، ويحتمل من التّفسير وجها آخر، وهو أن الجمل إذا برك شبع مما حوله من مبركه ولم يحتج إلى أكثر منه. وقوله: وهمّ الرّجل بأخيه: يجوز أن يكون مثل قوله شعرا:
وأحيانا على بكر أخينا ... إذا ما لم نجد إلّا أخانا
ومثل قوله: يا بن هشام، أهلك الناس اللّبن، لأنّ الجدب يشغلهم عن طلب الطّوائل، وفي الخصب يتفرّغون للضّغائن. ومثل قوله شعرا:
ثعالب في السّنين محصّصات ... وأسد حين يمتلئ الوطاب
ومثل قوله:
قوم إذا اخضرّت نعالهم ... يتناهقون تناهق الحمر
وقيل في تشكّي النّساء ما رواه الشّعبي عن برد وردّوا على الحجّاج وهو حاضر.
رواه عنه أبو بكر الهذلي قال: جاءه الحاجب فقال: إنّ بالباب رسلا، فقال: ائذن لهم، فدخلوا وعمائمهم في أوساطهم، وسيوفهم على عواتقهم، وكتبهم بأيمانهم، قال:
فتقدّم رجل من سليم يقال له سيابة بن عاصم فقال الحجّاج له: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من الشّام. قال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم أصابتني ثلاث سحائب فيما بيني وبين أمير المؤمنين، قال: فانعتهنّ لي، قال: أصابتني سحابة بجودان فوقع قطر صغار وقطر كبار، فكأنّ الصّغار لحمة الكبار ووقع بسيط متدارك وهو السّح الذي سمعت به، فواد سائح، وواد بارح، وأرض مقبلة، وأرض مدبرة أي أخذ السّيل في كل وجه، وأصابتنا سحابة بسواء، فلبّدت الدّمات وأسالت الغراز، وأدحضت التّلاع وصدعت عن الكماة أماكنها. وأصابتني سحابة بالقريتين، فقاءت الأرض بعد الرّيّ وامتلأت الآخاذ وأنعمت الأودية وجئتك في مثل مجرّ الضّبع.
ثم قال: ائذن فدخل رجل من بني أسد، فقال: هل كان وراءك من غيث؟ فقال: لا، كثرت الأعاصير، واغبرّت البلاد، وأكل ما أشرف من الجنبة، فاستيقنّا أنّه عام سنة، فقال:
بئس المخبر أنت، قال: خبّرتك بما كان.
ثم قال: ائذن فدخل رجل من أهل اليمامة فقال: هل كان وراءك؟ قال: نعم سمعت