للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتصير النّار عليهم بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السّلام في الدّنيا وإن كانت على الكفار عقوبة وعذابا، واستدلّوا على ما قالوا بقوله تعالى: وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ

[سورة مريم، الآية: ٧٢] فإنه لم يقل ويدخل الظّالمين.

وقال بعضهم: إنّ هذا يعني به الكفّار خاصة، واحتجوا بقراءة بعضهم: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها

[سورة مريم، الآية: ٧١] مسوقا على قوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ

[سورة مريم، الآية: ٦٩] الآية. ويكون على هذا التأويل وفي هذا المذهب قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا

[سورة مريم، الآية: ٧٢] يراد به يخرج المتّقين من جملة من يدخل النّار فكأنّ الخلق على اختلاف طبقاتهم، يردون عرصة القيامة ثم يفترقون فرقا على ما بيّن الله تعالى في غير هذا الموضع.

وقال أهل النظر وكثير من المفسّرين منهم الحسن وابن مسعود وقتادة: ليس الورود من الدّخول في شيء. ألا ترى أنّ الأصل في ذلك قصد المشارع والمناهل وقصدها ليس بالخوض فيها يدل على ذلك قوله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ

[سورة القصص، الآية: ٢٣] فالورود البلوغ إلى الماء ثم توسّع فيه فاستعمل في بلوغ كلّ مقصد يقولون: وردنا بلد كذا وكذا.

وقال الخليل: الورد، يوم وقت الورود بين الظماءين، يقولون: وردت الطيّر الماء وردا ووردته أورادا وقال تعالى: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً

[سورة مريم، الآية: ٨٦] وقالوا: أرنبة واردة وهي المقبلة على السّبلة وقال تعالى: فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ

[سورة يوسف، الآية: ١٩] يراد طالب الماء منهم وبالغه. وقال زهير:

فلمّا وردن الماء زرقا جمامه ... وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم

وهذا أصدق شاهد على أنّ الورود ليس بالدّخول، والحجة القاطعة في أنّ المؤمنين وإن حضروا حول جهنّم مع الإنس والجن للحتم المقضي، والوعد من الله الزكي، فإنّهم مبعدون عن النّار قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ

[سورة الأنبياء، الآية: ١٠١] ونرجع إلى إتمام الباب لأنّ هذا عارض عرض. وقال عجيز السّلولي:

ولي مائح لم يورد الماء قبله ... معلّى وأشطان الطّوى كثير

(المائح) : الذي يصير في البئر فيملأ الدّلو من الماء إذا قلّ الماء. قال:

يا أيّها المائح دلوي دونكا ... إنّي رأيت النّاس يحمدونكا

<<  <   >  >>