الشّمس حتى تجاورها، فتصير بين يديها فتظهر حينئذ في المشرق بالغداة، هكذا هي أبدا، فمتى ظهرت في المغرب فهي مستقيمة ومتى ظهرت في المشرق فهي راجعة، وكل شيء استمرّ ثم انقبض فقد خنس، ومنه سمّي الشّيطان خناسا لأنه يوسوس في القلب، فإذا ذكر الله خنس، وسمّيت كنّسا بالاستسرار كما تكنس الظّباء. وصفات الخنّس الزّهرة أعظمها في المنظر، وأشدّها بياضا ثم المشتري في مثل هيئتها. وفي زحل كمودة. وفي المرّيخ حمرة وفي عطارد صفرة. وقد تقدّم القول في استسرار القمر، وأنّه يقطع المنازل في استسراره كما يقطع في ظهوره. وأنهم يسمّون آخر ليلة في الشهر البراء لتبرّؤ القمر من الشّهر فيه. وأما قول الشّاعر شعرا:
يا عين بكّي عامرا وعبسا ... يوما إذا كان البراء بخسا
فالمراد إذا لم يكن فيه مطر، لأنّ المطر يستحبّ في سرار القمر.
فأمّا هلال شهر رمضان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا غمّ عليكم فاكملوا العدة» . وهذه رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي حديث آخر:«إذا غمّ عليكم فاقدروا له» رواية ابن عمر رضي الله عنهما. ومعنى أقدروا له: قدّروا له المسير والمنازل.
يقال: قدرت الشيء وقدرته بمعنى، والتّقدير له يكون إذا غمّ على النّاس ليلة ثلاثين في آخر شعبان لليلة ويعلم أنّه يمكث ستة أسباع ساعة من أوّلها ثم يغيب وذلك في أدنى مفارقته للشّمس، ولا يزال يزيد في كلّ ليلة على مكثه في اللّيلة قبلها ستة أسباع ساعة، فإذا كان في اللّيلة السّابعة غاب في نصف اللّيل، وإذا كان في ليلة أربع عشرة طلع مع غروب الشّمس، وغرب مع طلوعها ثم يتأخّر طلوعه عن أول ليلة خمس عشرة ستة أسباع، ولا يزال يتأخر طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة فإن لم ير صبح ثمان وعشرين، علم أن الشّهر ناقص وعدته تسعة وعشرون يوما.
وإن رؤي علم أن الشّهر تام وعدّته ثلاثون، وقد يعرف أيضا بمكث الهلال في ليالي النّصف الأوّل من الشّهر ومغيبه، وأوقات طلوعه ليالي النّصف الآخر من الشّهر، وتأخرّه عن أوّل اللّيل، ويتعرّف من المنازل بأنّ الهلال إذا طلع في أوّل ليلة من شعبان في الشّرطين، وكان شعبان تاما طلع في أول ليلة من شهر رمضان في الثّريا، وإن كان شعبان ناقصا طلع في البطين، وهذا أمر يضيق ويصعب على الناس، ويكثر فيه التّنازع والاختلاف، فنسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«إذا غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» ولا يمكن أن يرى الهلال بالغداة في المشرق بين يدي الشّمس وبالعشي في المغرب خلف الشّمس في يوم واحد، ولكن يمكن ذلك في يومين فهو حين يستسر ليلة واحدة، وإذا كان في ثلاثة فهو حين يستسر ليلتين.