فإن قيل: فما الفرق بين (المهمل) و (المستعمل) ؟ حينئذ قلت: الفرق بينهما أنّ الحكيم متى تكلّم بكلام مستعمل صحّ أن يعرف السّامع لكلامه مراده بما يقارنه من الدليل غير الكلام، ومتى تكلم بكلام مهمل لم يجز أن يعلم مراده وإن قارنه ما قارنه وكان وجوده وعدمه بمنزلة، ولو كان الكلام دليلا يجوز الاستطراق منه إلى ما وضع له قبلها، لأن الدلالة لا تحتاج في كونها دلالة يجوز الاستطراق منها إلى مدلولها إلى المواضعة وإنما يحتاج في تسميتها دلالة إلى المواضعة لأنهم يسمونها دلالة إذا أراد فاعلها عند فعلها الاستطراق منها إليه ولذلك لا يجوز أن يسمّى فعل اللص دلالة عليه، وكذلك فعل البهيمة، وإن جاز الاستطراق منها إليه، ولهذا جاز أن يعرف الله بدلائله من لا يعرف شيئا من المواضعات.
واعلم أنّ الكلام لمّا وضع للإبانة عن مراد المخاطب للمخاطب، لأنّ الغرض فيه إعلامه حدوث الشيء إذ إعلامه أنّه يريد منه إحداثه أو إعلامه أنه يكره منه إحداثه، والحدوث لا يكون إلا للذّوات ولم يكن بدّ من إعلامه العبارات عن ذوات الأشياء ليجوز منه أن يفرق الحدوث بها على وجه المراد انقسم الكلام أربعة أقسام:
الأول: عبارة عن الأعيان أنفسها وهي الأسماء.
الثّاني: عبارة عن حدوث الشيء وهو الخبر عنه.
الثالث: عبارة عن إرادة إحداثه وهي الأمر به.
الرّابع: عبارة عن كراهية إحداثه وهي النّهي عنه.
والأسماء على ضربين:
الضّرب الأول: اسم وضع لتعريف المسمّى به وليكون علما له دون غيره فيقوم مقام الإشارة إليه عند غيبته، أو لاشتمالها عليه، ويسمّى هذا الضّرب لقبا ولا يفيد في المسمّى به شيئا ولذلك لا يدخله الحقيقة والمجاز إذ كان لا يتعلّق بفعله ولا بحاله ولا بشيء، مما يحلّه أو يحلّ بعضه، ولا يوجب الاشتراك فيها اشتراكا في غيرها كما لا يوجب الاشتراك في غيرها اشتراكا فيها وقال بعضهم هذا القبيل ثلاثة أقسام:
القسم الأول: وضع تعريفا لآحاد الأشخاص كزيد وعمرو.
القسم الثاني: وضع تعريفا لآحاد أجمل الأشخاص وليقوم مقام تعداد ذكر جميعها كقولك: إنسان وأسد وحمار وطائر، ولذلك لا يتعلق بشيء من أوصافها ولا بما يحلّها، ويوجب الاشتراك فيها اشتراكا في الصورة دون غيرها وتسمية أهل اللّغة الجسم جسما من هذا لأنه وجب له هيئته وتركيبه ولذلك لم يجز إجراءه على الله تعالى.