ثم امتنعوا من علامة وإن كانت تاء التأنيث زائدة في المبالغة لما يحصل في اللّفظ من علامة التأنيث ولا تنحط رتبته عن رتبة التّذكير. ولأنهم جعلوا اللّفظ مؤنثا لاقتران علامة التأنيث فقالوا للبيضتين الاثنيان، ووصف بعضهم المنجنيق وهو مؤنث في اللّغة فقال وكل أنثى حملت أحجارا، فأمّا الخفير فمعناه لا يصح على الله لأنه من السّتر ومنه خفرت المرأة.
وقول القائل ثابت في صفة الله قليل الاستعمال ومعناه صحيح فيه وهو الكائن الذي ليس بمنتف، وقولهم: وتر، وفرد وفذ جميعه جائز عليه لأنّ معناه معنى التّوحيد، إلا الفذ، لأن معناه القلّة. وقولهم إبراهيم خليل الله فمعناه الاختصاص، ولا يقال الله خليل إبراهيم، لأنّه يخص الله بشيء ولا يقاس الصّديق ولا الوامق ولا العاشق على الخليل، ولا على المحب، ولا يوصف الله بالكامل، ولا الوافر لأنّ معناه الذي تمّت أبعاضه وتوفّرت خصاله ولا يوصف الله بالفرح، لأن الفرح إنما يجوز على من يجوز عليه الغم على أنه مع ذلك متناوله مذموم وليس كالسّرور. يدل على ذلك قوله تعالى: إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
[سورة هود، الآية: ١٠] ومما يقلّ استعماله وصفه بالسّار والبار، وإن كان معناهما صحيحا إذا كان تعالى يسر أولياءه ويبرّهم سمعه وطوله.
فإن قيل: أفيجوز أن يقال في الله تعالى: إنه يمكنه أن يفعل، ويستطيع أن يفعل ويطيق أن يفعل؟ قلت: كلّ ذلك جائز إلا قولك: يطيق أن يفعل، لأن الطّاقة استفراغ الجهد فيما يقصده الإنسان وقوله تعالى: ذِي الطَّوْلِ
[سورة غافر، الآية: ٣] حسن جائز لأن معنى ذو الطّول وله الطّول واحد فاعلمه.
واعلم أنّ قول القائل: ما زال زيد يفعل كذا من العبارات الدّاخلة على المبتدأ والخبر يفيد الزّمان دون الحدث، وإذا كان كذلك فزيد هو الذي كان مبتدأ وهو المخبر عنه، والخبر ما بعده، ولا يستقل بنفسه كما أنّ المبتدأ لا يستقلّ بنفسه وما زال مثل كان وأصبح وأمسى في أنه أفاد الزّمان، إلا أنه بدخول حرف النفي عليه عاد إلى الإثبات، لأن نفي النّفي إثبات، وممّا صدّر بحرف النفي من إخوانه ما برح وما فتىء، وما انفك، وقال سيبويه: تقول زايلته مزايلة وزيالا والتزايل تباين الشيء، وزيلت بينهم فرقت.
فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: ما زال زيد يقطع الكلام به، والمراد ثبت زيد. قلت:
إن أخرجته من جملة العبارات الدّاخلة على المبتدأ والخبر وجعلته فعلا تاما يستغني بفاعله، ويفارق ما لا يتم إلا بخبره، لم يمتنع ذلك فيه، وحينئذ يصير مثل كان الذي يفسر يحدث وجاء في القرآن: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ
[سورة البقرة، الآية: ٢٨٠] وعلى هذا قوله تعالى:
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ
[سورة يوسف، الآية: ٨٠] لأن تقديره لن أبرح من الأرض لأن برح لا يتعدى مثل زال، والأرض مخصوص لا يكون ظرفا، وهذا غير المستعمل في قولهم لم يزل