مدرسة الإرسالية البريطانية التي عثرت عليهما فأحرزتا تقدما ملحوظا وأنشأتا علاقات اجتماعية عاطفية، وتعلمتا أكل الطعام المطهو باليد وارتداء الملابس، وفهم اللغة البسيطة وحب الأطفال الآخرين.
وهكذا نرى أن السلوك الإنساني مرن وقابل للتعديل، ولا يقتصر مبدأ المرونة على السلوك الظاهري فقط بل يشمل التنظيم الأساسي للشخصية ومفهوم الذات مما يؤثر في السلوك، ولولا هذه المسلمة لما كان الإرشاد النفسي ولا العلاج النفسي ولا التربية ولا أي جهد يقوم أساسا على تعديل وتغيير السلوك المضطرب أو المرضي إلى السلوك سوي وعادي.
السلوك الإنساني فردي جماعي:
السلوك الإنساني فردي جماعي في نفس الوقت. وهناك فرع من فروع علم النفس هو علم النفس الفردي، وفي نفس الوقت هناك فرع آخر هو علم النفس الاجتماعي الذي يدرس سيكولوجية الفرد والجماعة والسلوك الاجتماعي كاستجابة للمثيرات الاجتماعية.
والسلوك الإنساني فردي اجتماعي مهما بدا فرديا بحتا أو اجتماعيا خالصا فسلوك الإنسان هو وحده يبدو فيه تأثير الجماعة، وسلوكه وهو مع الجماعة تبدو فيه آثار شخصيته وفرديته، ونحن نعرف أن الشخصية هي جملة السمات الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية التي تميز الشخص عن غيره. والمعايير الاجتماعية Social Noroms هي ميزان أو مقياس السلوك الاجتماعي، وهي السلوك النموذجي أو المثالي المحدد لما هو صحيح وما هو خطأ وما هو جائز وما هو غير جائز وما هو مباح وما هو عيب، أي أنها تحدد وتسهل سلوك الفرد والجماعة وتحدد السلوك المتوقع في المواقف الاجتماعية.
والفرد يلعب عددا من الأدوار الاجتماعية Social Roles أي الوظائف الاجتماعية المتكاملة المتتالية، بمعنى أنه يقوم بدور أستاذ ودور أب ودور زوج ودور أخ ودور قائد أو تابع ... إلخ، وهذه الأدوار يتعلم الفرد المعايير السلوكية المحددة لها من الجماعة.
وللفرد اتجاهات اجتماعية Attitudes كثيرة نحو الأفراد والجماعات والمؤسسات والمواقف والموضوعات الاجتماعية، تتكون من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، ويكون منها اتجاهات موجبة أو سالبة، واتجاهات جامدة واتجاهات منفعلة في شكل تعصب.
وهكذا يمكن القول بأن الجماعة تعتبر بمثابة "نور موستات" السلوك الفردي، أي منظم السلوك الفردي، وأن السلوك الإنساني فردي اجتماعي.
وفي الإرشاد والعلاج النفسي نجد أن أي محاولة لتعديل أو تغيير سلوك الفرد لا بد أن تدخل في الحساب شخصية الفرد ومعايير الجماعة والأدوار الاجتماعية والاتجاهات السائدة