وأما ما وراء النهر فيحيط به من شرقيّة: فامر وراشت، وما يتاخم الختّل من أرض الهند خط مستقيم، وغربيّه بلاد الغزيّة والخزلجيّة من حدّ طراز، ممتدا على التقويس حتى ينتهى إلى فاراب وبيسكند وسغد سمرقند ونواحى بخارى إلى خوارزم، حتى ينتهى إلى بحيرتها، وشماليّه الترك الخزلجية من أقصى بلد فرغانة إلى الطّراز على خط مستقيم «١» ، وجنوبيّه نهر جيحون من لدن بذخشان إلى بحيرة خوارزم على خط مستقيم؛ وجعلنا خوارزم والختّل فى ما وراء النهر لأن الختّل بين نهر جرياب ووخشاب، وعمود جيحون جرياب، وما دونه من وراء النهر. وخوارزم مدينتها وراء النهر «٢» ، وهى إلى مدن ما وراء النهر أقرب منها إلى مدن خراسان.
ما وراء النهر من أخصب أقاليم الإسلام وأنزهها وأكثرها خيرا، وأهلها يرجعون إلى رغبة فى الخير، واستجابة لمن دعاهم إليه، مع قلة غائلة وسلامة ناحية، وسماحة بما ملكت أيديهم، مع شدة شوكة ومنعة وبأس وعدّة وآلة وكراع وسلاح؛ فأما الخصب بها فإنه ليس من إقليم ذكرناه إلا يقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر، ثم إن أصيبوا ببرد أو جراد أو آفة تأنى على زروعهم ففى فضل ما يسلم فى عرض بلادهم ما يقوم بأودهم، حتى يستغنوا عن نقل شىء إليهم من غير بلادهم، وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرى أو مباخس أو مراع لسائمة «٣» ، وليس شىء لا بد للناس منه إلا وعندهم منه ما يقيم أودهم ويفضل عنهم لغيرهم؛ فأما أطعمتهم فمن السعة والكثرة على ما ذكرناه «٤» ؛ وأما مياههم فإنها أعذب المياه وأخفها، وقد عمّت المياه العذبة جبالها وضواحيها ومدنها؛ وأما الدواب ففيها من النتاج ما فيه كفاية «٥» لهم مع كثرة ارتباطهم لها، وكذلك البغال والحمير والإبل؛ وأما لحومهم فإن بها من النتاج ما يجلبونه من الغزيّة والخزلجيّة، وما يتصل بهم من حواليها ما يفضل عن كفايتهم؛ أما الملبوس ففيها «٦» من ثياب القطن ما يفضل عنهم، حتى ينقل عنهم إلى الآفاق، ولهم الفراء والصوف والأوبار، «٧» وببلادهم من معادن الحديد ما يفضل عن حاجتهم فى الأسلحة والأدوات، وبها معدن «٨» الفضة والذهب والزيبق،