الحمد لله مبدى النعم وولى الحمد، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد، أما بعد فإنى ذكرت فى كتابى هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام بتفصيل مدنها، وتقسيم ما يعود بالأعمال المجموعة إليها، ولم أقصد الأقاليم السبعة التى عليها قسمة الأرض، بل جعلت كل قطعة أفردتها مفردة مصوّرة، تحكى موضع ذلك الإقليم، ثم ذكرت ما يحيط به من الأماكن، وما فى أضعافه من المدن والبقاع المشهورة والبحار والأنهار، وما يحتاج إلى معرفته من جوامع ما يشتمل عليه ذلك الإقليم، من غير أن استقصيت ذلك كراهة الإطالة، التى تؤدى إلى ملال من قرأه، ولأن الغرض فى كتابى هذا تصوير هذه الأقاليم، التى لم يذكرها أحد علمته؛ أما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات وسائر ما أنا ذاكره فقد يوجد فى الأخبار، ولا يتعذر على من أراد تقصّى شىء من ذلك من أهل كل بلد، فلذلك تجوّزنا فى ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره، فاتخذت لجميع الأرض التى يشتمل عليها البحر المحيط الذي لا يسلك صورة، إذا نظر إليها ناظر علم مكان كل إقليم مما ذكرناه، واتصال بعضه ببعض، ومقدار كل إقليم من الأرض، حتى إذا رأى كل إقليم من ذلك مفصّلا علم موقعه من هذه الصورة، ولم تتسع هذه الصورة التى جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم فى صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة، فاكتفيت ببيان موقع كل إقليم ليعرف مكانه، ثم أفردت لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، بيّنت فيها شكل ذلك الإقليم وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إليه علمه، مما آتى على ذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى.
ففصّلت بلاد الإسلام عشرين إقليما، وابتدأت بديار العرب فجعلتها إقليما، لأن فيها الكعبة ومكة أمّ القرى وهى واسطة هذه الأقاليم، ثم أتبعت ديار العرب ببحر فارس لأنه يكتنف أكثر ديار العرب، ثم ذكرت المغرب حتى انتهيت إلى مصر فذكرتها، ثم ذكرت الشام ثم بحر الروم ثم الجزيرة ثم العراق ثم خوزستان ثم فارس ثم كرمان ثم المنصورة وما يتصل بها من بلاد السند والهند والإسلام، ثم أذربيجان وما يتصل بها، ثم كور الجبال ثم الديلم ثم بحر الخزر ثم المفازة التى بين فارس وخراسان ثم سجستان وما يتصل بها ثم خراسان ثم ما وراء النهر.
فهذه صورة الأرض عامرها والخراب منها وهى مقسومة على الممالك. وعماد ممالك الأرض أربعة، فأعمرها وأكثرها خيرا وأحسنها استقامة فى السياسة وتقويم العمارات فيها مملكة إيرانشهر، وقصبتها إقليم بابل وهى مملكة فارس، وكان حدّ هذه المملكة فى أيام العجم معلوما، فلما جاء الإسلام أخذ من كل مملكة بنصيب،