وسنذكر بعد ديار العرب بحر فارس، فإنّه يشتمل على أكثر حدودها، ويتصل بديار العرب منه وبسائر بلدان الإسلام ونصوّره، ثم نذكر جوامع ممّا يشتمل عليه هذا البحر، ونبتدئ بالقلزم على ساحله مما يلى المشرق، فإنّه ينتهى إلى أيلة، ثم يطوف بحدود ديار العرب، التى ذكرناها وبيّناها قبل هذا إلى عبّادان، ثم يقطع عرض دجلة وينتهى على الساحل إلى مهروبان ثم إلى جنّابة، ثم يمرّ على سيف فارس إلى سيراف، ثم يمتد إلى سواحل هرمز وراء كرمان إلى الدّيبل وساحل الملتان وهو ساحل السند، وقد انتهى حدّ بلدان الإسلام، ثم ينتهى إلى سواحل الهند حتى ينتهى إلى سواحل التبّت فيقطعها إلى أرض الصين؛ وإذا أخذت من القلزم غربيّها على ساحل البحر سرت فى مفاوز، من حدود مصر حتى تنتهى إلى مفاوز هى للبجة، وبها معادن الذهب، إلى مدينة على شط البحر يقال لها عيذاب ثم يمتد على بلد الحبشة، وهى محاذية لمكة والمدينة حتى يحاذى قرب عدن، ثم يقطع الحبشة ويتصل بظهر بلد النوبة حتى ينتهى إلى بلدان الزنج وهى من أوسع تلك الممالك فيمتد على محاذاة جميع بلدان الإسلام، وقد انتهى مسافة هذا البحر، ثم تعرض فيه جزائر وأقاليم مختلفة، إلى أن يحاذى أرض الصين.
وقد صوّرت هذا البحر وذكرت حدوده مطلقا، وسأصف ما يحيط به وما فى أضعافه جملا، يقف عليه من قرأه إن شاء الله. أما ما كان من هذا البحر من القلزم إلى ما يحاذى بطن اليمن فإنه يسمى بحر القلزم، ومقداره نحو ثلاثين مرحلة طولا، وعرضه أوسع ما يكون غير مسير ثلاث ليال، ثم لا يزال يضيق حتى يرى من بعض جنباته الجانب الآخر، حتى ينتهى إلى القلزم، ثم يدور على الجانب الآخر من بحر القلزم، وبحر القلزم مثل الوادى به جبال كثيرة قد علا الماء عليها، وطرق السفن بها معروفة لا يهتدى فيها إلا بربان، يتخلّل بالسفينة فى أضعاف تلك الجبال بالنهار، فأما بالليل فلا يسلك، وماؤه صاف ترى تلك الجبال فيه، وفى هذا البحر ما بين القلزم وأيلة مكان يعرف بتاران، وهو أخبث ما فى هذا البحر من الأماكن، وذلك أنه دوّارة ماء فى سفح جبل، إذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح على قسمين، فتنزل الريح على شعبين فى هذا الجبل متقابلين، فتخرج الريح من كلا هذين الشعبين فتتقابل فيثور الماء، وتتبلّد كل سفينة تقع فى تلك الدوّارة باختلاف الريحين وتتلف فلا تسلم واحدة، وإذا كان للجنوب أدنى مهب فلا سبيل إلى سلوكه، ومقدار طوله