للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مترتبا على اختلاف الأيدى والأذواق، ولنضرب على ذلك مثالا بخريطة العالم فى مخطوطتين اعتمد عليهما دى جويه فى نشر الكتاب، وهما المخطوطتان المصورتان والمحفوظتان بدار الكتب برقمى ٢٥٦، ٢٥٧ جغرافية، وهما اللذان رمزنا إليهما أثناء عرض النص بالحرفين ب ج، إذ نظرنا إلى الصورة فى المخطوطتين هاتين نظن لأول وهلة أن الصورتين متماثلتان، ولكن الذي يمعن النظر فيهما يجد بينهما اختلافا، وهذا الاختلاف يتبين فى وضع بحر الروم فى صورتى المخطوطتين للعالم، فالمخطوطة رقم ٢٥٧ تضعه فى منتصف الدائرة تقريبا وإلى اليمين، أما المخطوطة رقم ٢٥٦ فتضعه فى المنتصف وإنما إلى الشمال قليلا، وعلى ذلك فإن وضع بحر الروم فى الصورتين ليس فى مكان واحد، وإذا كان الأمر على هذا الوجه فمن الخير أن نعطى صورة واضحة عما بين المصورات فى المخطوطات الثلاث من اختلاف، على أن نرمز إلى مخطوطة دار الكتب برقمها ١٩٩ والأخيرتين برقم ٢٥٦ ٢٥٧ وهما الرقمان المسجلتان بهما.

ولكن قبل أن نمضى إلى هذه الخطوة يجب علينا أن نذكر أن مخطوطة دار الكتب رقم ١٩٩ ناقصة من أولها إلى الثلث الأول تقريبا من الحديث عن مصر، ومن ثمّ فالصورة التى تمثل العالم ومواضع الأقاليم فيه وصورة بلاد العرب وصورة بحر فارس وصورة المغرب وصورة مصر ضائعة، وعلى ذلك فإنا نذكر الاختلافات بدء من صورة الشام، وهى أول صورة تشترك فيها المخطوطات جميعا.

[فى صورة الشام]

نجد الرسم فى المخطوطات الثلاث قائما على شكل مستطيل، ولكن الاختلاف فى أمرين: فى رسم الجبال الممتدة من آسيا الصغرى إلى الشام، نجد الجبال فى ١٩٩ مرسومة على خط مائل ومستقيم، يبدأ من زاوية المستطيل السفلى من جانبه الأيمن إلى الزاوية العليا المقابلة من الجانب الأيسر، أى من نواحى طرسوس إلى بحر القلزم، أما فى ٢٥٦، ٢٥٧ فاتجاه الجبال مائل من بحر القلزم إلى قرب الإسكندرونة، ثم تأخذ خطا أفقيا نحو بلاد الروم، وهو اختلاف منشؤه الزخرفة وجمال الصورة أو الإهمال؛ أما الأمر الثانى فهو يستحق الذكر وهام، ذلك لأن فى ١٩٩ خطين متوازيين تسميهما نهر سيحان، أما فى ٢٥٦، ٢٥٧ فالخطان المتوازيان قصيران، يأخذان من طرف الجبال بالشام إلى نحو بحر الروم، وتسميهما العاصى، وإذا رجعنا إلى نص الاصطخرى نجده يقول (وجيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهى إلى المصّيصة ثم إلى رستاق يعرف بالملّون حتى يقع فى بحر الروم) ، وعلى ذلك فالمخطوطة رقم ١٩٩ هى التى تتفق مع الاصطخرى، فإذا لا حظنا أن الاصطخرى لم يتعرض فى حديثه عن الشام لنهر العاصى تبيّن لنا طبقا لخطته أنه لم يرسمه فى الصورة، ويترتب على ذلك أن ٢٥٦، ٢٥٧ رسمتا ما لم يرسم الاصطخرى، وأهملتا ما رسم.