أقام الاصطخرى كتابه المسالك والممالك على أساس أن يكون موضوع الحديث عن الإقليم معتمدا على مصور يرسمه بادئ ذى بدء، يبين فيه ما يراد معرفته، حتى ترتسم فى خيال الناظر إليه فكرة واضحة عنه، رسم منهج كتابه فى قوله:
(ولأن الغرض فى كتابى هذا تصوير هذه الأقاليم، التى لم يذكرها أحد علمته، وأما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات وسائر ما أنا ذاكره فقد يوجد فى الأخبار، ولا يتعذر على من أراد تقصّى شىء من ذلك من أهل كل بلد، ولذلك تجوزنا فى ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره، فاتخذت لجميع الأرض التى يشتمل عليها البحر المحيط الذي لا يسلك صورة، إذا نظر إليها ناظر علم مكان كل إقليم مما ذكرناه، واتصال بعضه ببعض، ومقدار كل إقليم من الأرض، حتى إذا رأى كل إقليم من ذلك مفصّلا علم موقعه من هذه الصورة، التى جمعت سائر الأقاليم، لما يستحقه كل إقليم فى صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة فاكتفيت ببيان موقع كل إقليم ليعرف مكانه، ثم أفردت لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، بيّنت فيها شكل ذلك الإقليم، وما يقع فيه من المدن وسائر ما يحتاج إلى علمه، مما آتى على ذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى.
ففصّلت بلاد الإسلام عشرين إقليما، وابتدأت بديار العرب فجعلتها إقليما، لأن فيها الكعبة ومكة أم القرى، وهى واسطة هذه الأقاليم، ثم اتبعت ديار العرب ببحر فارس، لأنه يكتنف أكثر ديار العرب، ثم ذكرت المغرب حتى انتهيت إلى مصر فذكرتها، ثم ذكرت الشام، ثم بحر الروم، ثم الجزيرة، ثم العراق، ثم خوزستان، ثم فارس، ثم كرمان، ثم المنصورة وما يتصل بها من بلاد السند والهند والإسلام، ثم أذربيجان وما يتصل بها، ثم كور الجبال، ثم الديلم، ثم بحر الخزر، ثم المفازة التى بين فارس وخراسان، ثم سجستان وما يتصل بها، ثم خراسان، ثم ما وراء النهر) .
وفى هذا القول- الذي يقدم به الإصطخرى خطة كتابه المسالك والممالك ومنهجه- يذكر لنا تفصيلا صور الأقاليم التى يتضمنها هذا الكتاب، وفق الترتيب المرسوم لكتابه، وهذه الصور كما رتبها الإصطخرى تسير واحدة تقفو الأخرى على النحو الآتى: