وأما مفازة خراسان وفارس فإن الذي يحيط بها، من شرقيّها حدود مكران وشىء من حدود سجستان، وغربيّها حدود قومس والرىّ وقمّ وقاشان، وشماليتها حدود خراسان وشىء من سجستان، وجنوبيّها حدود كرمان وفارس وشىء من حدود اصبهان.
هذه المفازة من أقل «١» مفاوز الإسلام سكانا وقرى ومدنا على قدرها، لأن مفاوز البادية فيها مراع وأحياء العرب ومدن وقرى، لا يكاد يخلو بنجد وتهامة وسائر الحجاز مكان إلا وهو فى حيز قبيلة، يترددون فيها على المراعى، وكذلك عامة اليمن إلا شيئا بين عمان واليمامة مما يلى البحر إلى حدود اليمن، فإن ذلك الموضع خال عن ديار العرب، وكذلك المفاوز التى فى أضعاف كرمان ومكران والسند عامتّها مسكونة بالأخبية والأخصاص وغيرها، ومفاوز البربر أيضا مسكونة بأحياء البربر فى مراعيها، وليس يستدرك من مفازة فارس وخراسان إلا علم «٢» الطريق، وما يعرض فى أضعاف طرقها من المنازل «٣» ، إذ ليس فيما عدا طرقها كثير عمارة ولا سكّان، وهذه مفازة من أكثر المفاوز لصوصا وفسّادا، وذلك أنها ليست فى حيز إقليم بعينه، فيرعاها أهل ذلك الاقليم بالحفظ، لأنه يحيط بهذه المفازة أيد كثيرة من سلاطين شتى، فبعض هذه المفازة من عمل خراسان وقومس، وبعضها من عمل سجستان، وبعضها من عمل كرمان وفارس واصبهان وقمّ وقاشان والرىّ، فإذا أفسد القطّاع فى عمل دخلوا عملا آخر، ومع ذلك فهى مفازة يصعب سلوكها بالخيل، وإنما تقطع بالإبل، وإنما «٤» الدواب للأحمال، فلا تسلك إلا على طرق معروفة ومياه معلومة، إن تجاوزوها فى أعراض هذه المفازة هلكوا؛ وللصوص فى هذه المفازة مأوى «٥» يعتصمون به ويأوون إليه، ويخفون فيه المال والذخائر يعرف بجبل كركس كوه، وكركس اسم المفازة التى تتاخم الرىّ وقمّ إلى مسيرة أيام من شرقىّ هذه المفازة؛ فأما جبل كركس كوه فهو جبل ليس بالكبير، وإنما هو جبل منقطع عن الجبال تحيط به المفازة، وبلغنى أن دور أسفله نحو فرسخين فقط، وبهذا الجبل ماء يسمى آب «٦» بنده، ووسط هذا الجبل مثل الساحة، وفى شعاب هذا «٧» الجبل مياه قليلة، وهو جبل وعر المسلك