ت ٣٠٠ هـ، ومنهم: أبو زيد أحمد بن سهل البلخى ت ٣٢٢ هـ.
ويجيء الإصطخرى مؤلّفنا فى الطبقة التى تلى من تقدّم، ومركزها فى القرن الرابع الهجرى، ومن أبرز أعلامها- إلى جانب الإصطخرى- أبو الفرج قدامة بن جعفر ت ٣٣٧ هـ[وشهرته كنا قد لا تمنع من أنّ له جهودا مدوّنه فى جغرافية البلدان والأقاليم] ، والمسعودى- صاحب (مروج الذهب) ت ٣٤٦ هـ، وابن حوقل ت ٣٦٧ هـ، والمقدسى (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ت ٣٧٥ هـ) صاحب (أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم) .
اتّساع التأليف فى جغرافية البلدان والأقاليم يلفتنا إلى وجه من الشّبه، قد يبدو- لأول وهلة- بعيدا، بين موضوع هذه الكتب وموضوع الكتاب الذي قدمته (الذخائر) فى حلقتها السابقة، وهو كتاب (مفاتيح العلوم) للخوارزمى ت ٣٨٧ هـ، والذي قرن إليه عند تقديمه كتابا (إحصاء العلوم) للفارابى (أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان ت ٣٣٩ هـ) و (الفهرست) لأبى الفرج محمد بن إسحاق النديم ت ٣٨٠.
كلا الضربين من موضوعات التأليف يحمل دلالة تاريخيّة وحضاريّة، كلاهما دالّ على اتّساع رقعة العالم الإسلامى من جهة، وعلى بلوغ العلوم العربيّة الإسلامية مرحلة من النضج والازدهار والتشعّب من جهة أخرى، اتّساع رقعة العالم الإسلامى اقتضى التعريف به بل وببقيّة مناطق العالم المعروفة وقتها، سكّانا وبلادا وطرقا ومعالم طبيعيّة؛ تسهيلا للتنقل بينها، تجارة وعملا، أو دراسة وبحثا، أو متعة وتأمّلا. بينما اقتضى ازدهار العلوم الإسلامية العربيّة وتشعبها العمل على إحصائها ثم تصنيفها وفهرستها.
هكذا مضى ركب الثقافة العربيّة الإسلامية، فى ظلّ ظروفه المواتية، حثيثا فى اتجاه التطوّر وسعة الأفق، عازفا عن كلّ ما يجرّ إلى التأخّر ويبعث على الانغلاق.