ذلك الماء حماماتهم ومياضىء لهم، والغور أوله هذه البحيرة، ثم يمتد على بيسان حتى ينتهى إلى زغر وريحا إلى البحيرة الميّتة، والغور ما بين جبلين غائر فى الأرض جدا، وبه عيون وأنهار ونخيل، ولا تستقر به الثلوج، وبعض «١» الغور من حدّ الأردنّ إلى أن تجاوز بيسان، فإذا جاوزته كان من حدّ فلسطين، وهذا البطن إذا امتدّ فيه السائر أداه إلى أيلة؛ وصور بلد من أحصن الحصون التى على شط البحر، عامرة خصبة، ويقال إنه أقدم بلد بالساحل، وإنّ عامة حكماء اليونان منها، وبالأردنّ كان مسكن يعقوب النبي عليه السلام، وجب يوسف عليه السلام «٢» على اثنى عشر ميلا من طبريّة، على ما يلى دمشق ومياه طبريّة من البحيرة.
وأما جند دمشق فإنّ قصبتها مدينة دمشق، وهى أجلّ «٣» مدينة بالشام كلها، وهى فى أرض واسعة بين جبال تحيط «٤» بها مياه كثيرة وأشجار وزروع متصلة، وتسمى تلك البقعة الغوطة، عرضها مرحلة فى مرحلتين، ليس بالمغرب مكان أنزه منه، ومخرج مائها من تحت كنيسة يقال لها الفيجة، وأول ما يخرج مقداره ارتفاع ذراع فى عرض باع، ثم يجرى فى شعب تتفجّر فيها العيون، فيأخذ منه نهر عظيم أجراه يزيد بن معاوية، يعرض فى كثير ثم يستنبط منه نهر المزّة ونهر القنوات، ويظهر عند الخروج من الشّعب بموضع يقال له النّيرب، ويقال إنه المكان الذي قال الله فيه (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
«٥» ثم يبقى من هذا الماء عمود النهر فيسمى بردى، وعليه قنطرة فى وسط مدينة دمشق، لا يعبره الراكب غزارة وكثرة، فيفضى إلى قرى الغوطة، ويجرى الماء فى عامّة دورهم وسككهم وحمّاماتهم، وبها مسجد ليس فى الإسلام مسجد أحسن ولا أكثر نفقة منه، وأمّا الجدار والقبّة التى فوق المحراب عند المقصورة فمن بناء الصابئين، وكان مصلاهم ثم صار فى أيدى اليونانيين، فكانوا يعظمون فيه دينهم، ثم صار لليهود وملوك من عبدة الأوثان، فقتل فى ذلك الزمان يحيى بن زكريا عليه السلام، ونصب رأسه على باب هذا المسجد، بباب يسمى جيرون، ثم تغلّب عليه النصارى فصار فى أيديهم كنيسة، يعظمون فيها دينهم، حتى جاء الإسلام فصار للمسلمين واتخذوه مسجدا، وعلى باب جيرون حيث نصب رأس يحيى بن زكرياء نصب رأس الحسين بن على عليهما السلام «٦» ، فلما كان فى أيام الوليد بن عبد الملك عمره فجعل أرضه رخاما مفروشا، وجعل وجه جدرانه رخاما مجزّعا، وأساطينه رخاما موشّى، ومعاقد رؤوس أساطينه ذهبا، ومحرابه ذهبا «٧» مرصعا بالجواهر، ودور السقف كله ذهبا مكتبا، كما تطوف ترابيع جدار المسجد، يقال إنه أنفق فيه وحده خراج الشام، وسطحه رصاص، وسقفه خشب مذهب، يدور الماء على رقعة المسجد، حتى