قرى ومزارع ومدن كبار، وأثيناس ورومية مدينتان بهما مجمع النصارى بقرب البحر، فأما اثيناس فإنها دار حكمة اليونانيين وبها تحفظ علومهم وحكمهم، وأما رومية فإنها ركن من أركان ملك النصارى، فإنّ للنصارى كرسيا بأنطاكية وكرسيا بالأسكندرية وكرسيا برومية، والكرسى الذي بالبيت المقدّس محدث، لم يكن فى أيام الحواريين، وإنما اتخذوه بعد ذلك لتعظيم البيت المقدّس، ثم يتصل بالافرنجة على ساحل البحر إلى أن يحاذى صقلّية، ويجاوزها حتى يتصل بطرطوشة من أرض الأندلس، وقد ذكرنا المسافة التى بأرض المغرب ومصر والشام إلى آخر الإسلام والثغور فى كل مكان منه، ما يغنى عن إعادته.
وفى هذ البحر جزائر صغار وكبار وجبال، فأمّا المعمور بالناس فهى صقلّية- وهى أكبرها، وإقريطش «١» وقبرس وجبل القلال، فأما صقاية فإنها قريبة من الافرنحة، حتى يرى منها أرض افرنجة، حتى يرى منها أرض افرنجة، وتثمر الزروع بها، وهى جزيرة طولها نحو سبع مراحل، وبصقلية من الخصب والسّعة والزروع والمواشى والرقيق- أكثر ما يقع منها- ما يفضل على سائر ممالك الاسلام المتاخمة للبحر، واقريطش دونها فى العرصة وفى العمارة، وسكانها جميعا مسلمون أهل غزو، وبين أظهرهم نبذ من النصارى كما يكون ببلدان المسلمين؛ وأما قبرس فإن أهلها نصارى كلهم، ليس فيهم من المسلمين أحد، وهى تقارب فى الكبر والعمارة اقريطش، خصبة جدا، افتتحها معاوية صلحا فهادن أهلها فهى فى هدنة المسلمين، وهم نصارى من الروم، وعرض هذا البحر من سواحل الشام- إذا استوت الريح يومان إلى قبرس، ومن قبرس إلى الجانب الآخر من هذا البحر نحو ذلك، ويقع بقبرس الميعة «٢» التى تحمل إلى بلدان الإسلام من بلد الروم، والمصطكى تكون بقبرس؛ وأما جبل القلال «٣» فإنّه كان جبلا فيه مياه خرّارة، فوقع إليه قوم من المسلمين فعمروه، وصاروا فى وجوه الافرنجة، لا يقدر عليهم لامتناع مواضعهم «٤» ، ومقداره فى الطول يومان، وليس فى البحار أحسن «٥» حاشية من هذا البحر، فإنّ العمارات فى الجانبين ممتدة غير منقطعة، وسائر البحار يعرض فى شطوطها المفاوز والمقاطع، وتترد فيه سفن المسلمين والروم، يعبر كل فريق إلى جانب الآخر سواء فيغنمون، وربما اجتمع فيه الجيوش من المسلمين والروم فى السفن، فيجتمع لكل فريق مائة سفينة حربية وأكثر من ذلك، فيكون حربهم فى الماء، وهذه «٦» صفة هذا البحر وما يكون فيه.