للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر بعض أهل الأخبار أن أنهار البصرة عدّت أيام بلال بن أبى بردة فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألف نهر، تجرى فيها الزواريق، وقد كنت أنكر ما ذكر من عدد هذه الأنهار فى أيام بلال بن أبى بردة، حتى رأيت كثيرا من تلك البقاع، فربما رأيت فى مقدار رمية سهم عددا من الأنهار صغارا، تجرى فى كلها زواريق صغار، ولكل نهر اسم ينسب به إلى صاحبه الذي احتفره، أو إلى الناحية التى يصب فيها، وأشباه ذلك من الأسامى، فجوّزت أن يكون ذلك فى طول هذه المسافة وعرضها، وأكثر أبنيتها بالآجر، وهى من بين سائر العراق مدينة عشريّة، ولها نخيل متصلة من عبدسى إلى عبّادان نيف وخمسون فرسخا متصلا، لا يكون الإنسان منه فى مكان إلا وهو «١» فى نهر ونخيل، أو يكون بحيث يراهما، وهى فى مستوى لا جبال فيه، ولا بحيث يقع البصر على جبال، وبها قبر طلحة بن عبيد الله من الصحابة فى المدينة، وخارج المربد فى البادية قبر أنس بن مالك والحسن البصرى وابن سيرين والمشاهير من علماء البصرة وزهّادها، ولها نهر يعرف بنهر الأبلّة طوله أربعة فراسخ ما بين البصرة والأبلّة، وعلى حافتى هذا النهر قصور وبساتين متصلة، كأنها بستان واحد قد مدّت على خيط واحد، وتتشعب هذه الأنهار إلى أنهار كثيرة، فمنها ما يقارب هذا النهر فى الكبر، كأنّ نخيلها غرست على خيط واحد، وهذه الأنهار كلها منخرقة «٢» بعضها إلى بعض، وكذلك عامة أنهار البصرة، حتى إذا جاءهم مدّ البحر تراجع الماء فى كل نهر، حتى يدخل نخيلهم وحيطانهم وجميع أنهارهم من غير تكلف، فإذا جزر الماء انحط حتى تخلو منه البساتين والنخيل ويبقى فى الأنهار، إلا أن الغالب على مائهم الملوحة، وإنما يستقون إذا جزر الماء إلى حدّ نهر معقل، ثم يعذب فلا يضره ماء البحر، والأبلّة على هذا النهر «٣» ، وعلى ركن الأبلة فى نهرها «٤» خور عظيم الخطر، وربما سلمت السفن من سائر الأماكن فى البحر وغرقت فى هذا الخور، يعرف بخور الأبلّة، والأبلة مدينة صغيرة خصبة عامرة، حدّ لها نهر الأبلة إلى البصرة، وحدّ لها دجلة- التى يتشعب منها هذا النهر- عاطفا عليها، وينتهى عمودها إلى البحر بعبّادان، وللبصرة مدن: فأمّا عبّادان والأبلّة والمفتح والمذار فعلى شط دجلة، وهى مدن صغار متقاربة فى الكبر عامرة، إلا الأبلة فإنها أكبرها، وفى حدود البصرة بين أضعاف قراها آجام كثيرة وبطائح، أكثرها يسار فيها بالمرادى «٥» ، قريبة القعر كأنها كانت على قديم الأيام أرضا مكشوفة، ويشبه أن يكون لما بنيت البصرة وشقّت الأنهار، واتصل بعضها ببعض فى القرى والمجارى «٦» ، تراجعت المياه وغلبت