عن فارس إلى قرب من الروم والعرب، كما انتقل التتابعة من اليمن لما ملكوا الآفاق، وكما انتقل ملوك الإسلام من العرب عن ديار العرب إلى بابل، لتوسط الممالك والاشراف على كل ناحية، ولسنا نكثر فى ذكر ملوك الفرس لانتشار أخبارهم وعلم الناس بأيامهم؛ فأما فى الإسلام فإن لهم ملوكا منهم فى تقليد الإمارات، ومنهم من قعد عنها على استقلاله بها وكفايته من الفرس، والعرب الذين توطنوا فارس فصاروا من أهلها- والذين تغرّبوا عنها فمنهم الهرمزان من الأساورة، أسر فى أيام عمر فقدم به «١» عليه فأطلقه وآمنه فأسلم، وله إلى آل أبى طالب صهر، فاتهم بقتل عمر بن الخطاب مع أبى لؤلؤة عبد للمغيرة بن شعبة، فقتله عبيد الله بن عمر بعد موت عمر، ويقال إن سلمان الفارسي من ولد الأساورة، وأنه تزهّد وخرج يطلب الدين ويتصفح الملل، حتى وقع إلى المدينة فأسلم عند ورود النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومنهم آل عمارة ويعرفون بآل الجلندى، ولهم مملكة عريضة وضياع كثيرة وقلاع على سيف البحر بفارس متاخمة لحد كرمان، ويزعمون أن ملكهم هناك قبل موسى عليه السلام «٢» ، وأن الذي قال الله عز وجل «٣» وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
هو الجلندى، وهم قوم من أزد اليمن، ولهم إلى يومنا هذا منعة وعدة وبأس وعدد، لا يستطيع السلطان أن يقهرهم «٤» ، وإليهم أرصاد البحر وعشور السفن، وقد كان عمرو بن الليث ناصب حمدان بن عبد الله الحرب نحو سنتين فما قدر عليه، حتى استعان عليه بابن عمه العباس بن أحمد بن الحسن وأحمد بن الحسن الذي نسبنا إليه زم الكاريان، وهو من آل الجلندى أزدى، وابنه حجر بن أحمد هو على الزم فى منعة وقوة إلى يومنا هذا؛ وآل الصفّار الذين نسب إليهم سيف بنى الصفّار هم آل الجلندى، وهؤلاء أقدم من ملوك الإسلام بفارس، وأمنعهم جانبا؛ ومنهم آل أبى زهير المدينى ينسب إليهم سيف بنى زهير، وهم من سامة بن لؤى ملوك ذلك السيف، ولهم منعة وعدد؛ ومنهم أبو سارة الذي خرج متغلبا على فارس يدعو إلى نفسه، حتى بعث المأمون من خراسان محمد بن الأشعث فواقعه فى صحراء كس من شيراز، وفرّق جيشه وقتله، وكان الوالى بفارس حينئذ يزيد بن عقال: وجعفر بن أبى زهير الذي قال فيه الرشيد وقد وفد عليه فى ملوك فارس لولا طرش به لاستوزرته؛ والمظفّر بن جعفر الذي كان يملك عامة الدستقان، وله مملكة السيف من حدّ جنّابة إلى حد نجيرم، وسائر آل أبى زهير من حد نجيرم إلى حد بنى عمارة، ومسكن آل أبى زهير كران، ومسكن المظفّر على ساحل البحر بصفارة؛ ومنهم آل حنظلة بن تميم من ولد عروة بن أديّة، الذين عبروا من البحرين إلى فارس فى أيام بنى أمية، بعد قتل عروة بن أديّة فسكنوا اصطخر ونواحيها، وملكوا الأموال الكثيرة والقرى النفيسة؛ وكان منهم عمرو بن عيينة، وبلغ من يساره أنه ابتاع بألف ألف درهم مصاحف فوقفها