قطعة من الأرض خشبة قائمة، ووصل بها حبالا منوطة بعضها ببعض يرجع جميعها إلى عمود الرخام، وعلى العمود جرسا عظيما وعلى كل قطعة من تلك الحبال جرسا صغيرا، فإذا حركوا حبل الجرس الكبير على العمود وخفق تحركت سائر الحبال وخفقت الأجراس. وأقام الإسكندر يرقب الوقت المحمود، وأمر الصناع إذا سمعوا تحريك الأجراس أن يضعوا الأساس دفعة واحدة وقد كانوا استعدوا لذلك. فبينما الإسكندر يرقب الوقت أصابته سنة، فوقع غراب على حبل الجرس الكبير فحركه فتحركت جميع الأجراس، فوضع البناؤون فى تلك الساعة الأساس «١» . وارتفع الضجيج بالتحميد والتسبيح فاستيقظ الإسكندر لضجيجهم، فسأل عن الخبر فأعلن، فعجب من ذلك، وقال:«أردت أمرا فأراد الله غيره ويأبى الله إلا ما يريد، أردت طول بقائها وأراد الله سرعة بنائها»«٢» .
ثم تمادى على عملها وبنى المدينة على آزاج وطبقات قد عمل لها مخاريق ومتنفسات للضوء، يسير الفارس وبيده رمح طويل فلا يضيق به طريق من تلك الآزاج حتى يدور جميع الإسكندرية. وكذلك كانت أسواقها مقنطرة فلا يصيب أهلها المطر. وبنى أسوارها من أنواع الرخام الأبيض والملون، وكذلك جميع قصورها ودورها، فكانت تضيء بالليل بغير مصباح لشدة بياض الرخام، وربما علت على أسوارها شقاق الحرير الأخضر لاختطاف بياضها أبصار الناس «٣» . وبنى عليها ٧ أسوار وأمام كل سور خندق، وبين كل خندق وسور فصيل.
ويقال إنها كانت أعظم مدينة بنيت فى معمور الأرض وأغربها بنيانا، فقيل إنه كان سكان البحر يؤذون الناس ويختطفونهم بالليل، فاتخذ الإسكندر الطلسمات مصورة على أعمدة رخام على هيئة شجرة السرو، طول العمود منها ٨٠ ذراعا، وهى باقية إلى هذه الغاية. يقال إنها على أعمدة نحاس قد خرقت الأرض فصورت