للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى فضاء داخل فى البحر كأنه جزيرة والمنارة فى أعلا هضبة منها. وقد أحاط البحر بالمنارة من ٣ جهات: من ناحية الشمال والغرب والجنوب؛ فتنظر حينئذ إلى المنارة فتراها كأنها سحابة قد ارتفعت فى الجو، فتظن أنها ترتعد من انعكاس شعاع الشمس وضرباته فى المنارة «١» .

ولهذه المنارة بالإسكندرية مجتمع فى العام يسمونه بخميس العدس «ا» ، وهو أول خميس فى شهر مايه لا يختلف فى مدينة الإسكندرية عن الخروج إلى المنار فى ذلك اليوم أحد. وقد أعدوا لذلك اليوم الأطعمة والأشربة، ولابد فى ذلك الطعام من العدس. فيفتح بابها للناس ويدخلون فيها، فمن ذاكر لله تعالى ومن مصل ومن لاه ومتفرج، فيقيمون إلى نصف النهار ثم ينصرفون «٢» .

ومن ذلك اليوم بعينه يحترس البحر. وفى المنارة قوم مرتبون يوقدون النار الليل كله فى الحزام الأول، فيؤم أهل السفن سمت تلك النار «ب» من جميع البلاد؛ ويوقد صاحب السفينة النار فى سفينة فإذا رأى المحترسون النار فى البحر، زادوا فى وقود النار وأوقدوها من جهة المدينة؛ فإذا رأى ذلك محترسو المدينة ضربوا البوقات والأجراس حذرا من العدو.

وكان حول المنار مغائض يستخرج منها أنواع من الأحجار يتخذ منها فصوص الخواتم، مثل الاسبادشيخ ومثل الكركهن والباقلمون وغير ذلك من الأحجار الغريبة التى لا توجد فى هذا الزمان ولها خواص. وهذا الباقلمون حجر يتلون ألوانا مختلفة عند النظر إليه كلون ريش الطواويس الهندية؛ فإن ألوان ريشها أحسن ألوانا من هذه الطواويس التى بهذه البلاد. ولطواويس الهند جمال عظيم وخلق عجيب، تتمازج ألوان ريشها وتترادف فيها فيرى لها منظر عجيب؛ وأصلها من الهند وما خرج منها من ديار الهند صغر حجمه وكدر لونه كما «ج» يفعل ما نقل من النارنج والأترج من بلاد الهند، فإنها تصغر وتعدم تلك الروائح العطرية لعدم ذلك الهواء والتربة. قيل وكان حول المنار من تلك الجواهر كثير، فيقال إن الإسكندر أغرق ذلك حول المنار فيوجد هناك إذا طلب، ويكون ذلك الموضع أبقى لها ويرى الناس على مر الدهور عظيم ملكه