فلما حاصرها وضيق على ملكها، وأفسد أقطارها، أرسل ملك رومة قائدا من قواده، فحشر من كان ببلاده من الروم والجيوش، وأمرهم بالوصول إلى بلاد إفريقية؛ ونزلوا على قرطاجنة ولم يكن فيها من يعاونهم، فأرسلوا إلى ملكهم أنبيل يعلمونه بما حل ببلادهم من البلاء من أهل رومة، ويسألونه الإسراع لأغاثتهم. قال فعجب من ذلك ملك قرطاجنة، وقال: أردت قطع رسم الرومانيين من الدنيا، وأظن إله «ا» السماء أراد غير ذلك. ثم رجع إلى بلاده مسرعا، فزحف إليه شبيون قائد صاحب رومة، فهزمه مرارا عديدة حتى قتله واستأصل عسكره، ودخل فى قرطاجنة فهدمها وأحرقها؛ وخرب المسلمون بقيتها وذلك مشهور. وليس يسكن منها الآن إلا قصر واحد، يسمى بالمعلّقة «ب»«١» ، وبناؤه من أغرب ما يكون من البناء، مفرط العظم والعلو، أقباء معقودة بعضها فوق بعض طبقات كثيرة «ج» ؛ وهو مطل على البحر، وهو حصن عظيم.
وبقرطاجنة دار الملعب ويسميه أهل تلك البلاد بالطياطير، هو كله أقباء معقودة على سوارى رخام، وعليها مثلها نحو أربع مرات، وقد أحاطت بالدار. والدار دائرة من أغرب ما يكون من البناء، ولها أبواب كثيرة وقد صور على كل منها صورة نوع من الحيوان؛ وقد صور فى الحيطان صور جميع الصناع بأيديهم آلاتهم. وفى هذه الدار من الرخام ما لو أجمع أهل إفريقية على نقله ما قدروا عليه لكثرته. وكان فيها قصران يعرفان بالأختين «٢» ، ليس فيهما حجر سوى الرخام، ورخام «د» الواحد لا يشبه رخام الثانى؛ ويوجد فيها لوح رخام طوله ٣٠ شبرا وعرضه ١٥ شبرا؛ ويقال إنه وجد فى غربيها بيت من لوح واحد «ر» . والناس ينقلون من رخام هذين القصرين، لحسنه على قديم الزمان، وما فرغ إلى الآن. وبهذين القصرين ماء مجلوب من ناحية الجوف لا يعرف منبعه؛ وكانت عليه نواعير وسواقى تسقى