فلما تم بنيان هذه الأهرام والبرابى، أمر الملك أن يكتب على حيطان البرابى وسقوفها جميع الأشياء وغوامض الأمور: من دلائل النجوم وعللها وسائر الصنائع والطباع ومكنونها، والنواميس العظام وعمل الأدوية وتأليفها، ومعرفة العقاقير وأسمائها وصورها، وعلم صنعة الكيمياء وغير ذلك مما ينفع ويضر.
كل ذلك ملخص مفسر لمن عرف كتابتهم وفهمها. ونقش فى حيطانها وسقوفها جميع الطلسمات وكتب على كل طلسم خاصيته ونفعه وضرره، وكما وضع فى تلك الأهرام فنونا من الذهب والفضة والكيمياء وحجارة الزبرجد الرفيعة والجواهر النفيسة ما لا يحصّله وصف واصف. وكذلك فعل بنوه من بعده.
فلما تمت هذه الأهرام والبرابى على ما أراد الملك قال لهم أنظروا هل تفسد هذه الأعلام، فنظروا فوجدوها باقية لا تزول. فقال لهم هل يفتح منها موضع، أو هل يدخل إليها، فنظروا فقالوا له يفتح فى الهرم الفلانى فى الجانب الشمالى منه، فقال لهم حققوا النظر فى معرفة الموضع بعينه، فنظروا وعرفوه بالموضع.
فقال لهم عرفونى متى يكون ذلك، فنظروا فعرفوه أنه يكون ذلك لمدة ٤٠٠٠ دورة للشمس والدورة سنة. فقال لهم أنظروا مقدار ما ينفق فى فتح هذا الموضع؛ فنظروا فعرفوه بالقدر، فقال لهم اجعلوا فى الموضع الذي يوصل منه إلى داخل الهرم ذهبا بمقدار ما ينفق على فتحه. ثم حثهم على الفراغ من بناء الأهرام والبرابى، ففرغوا منها فى ٦٠ سنة. وأمر أن يكتب عليها:«بنينا هذه الأهرام فى ٦٠ سنة فليهدمها من يهدمها فى ٦٠٠ سنة، على أن الهدم أهون من البناء»«١» . ثم قال لهم أنظروا هل يكون بعد هذه الآفة كون مضر غيرها، فنظروا فإذا الكواكب تدل فى وقتهم وتظهرهم على آفة أخرى نازلة من السماء، وتكون فى آخر الزمان وهى ضد الأولى، وهى نار محرقة لأقطار العالم، فأخبروه بذلك. فقال لهم فهل من خبر آخر توقفونا عليه بعد هذه الأمور، فقالوا له ننظر فى ذلك؛ فنظروا على آلاف السنين، وقالوا له إذا قطع قلب الأسد ثلثى دورة، وهى آخر دقيقة من برج العقرب، لم يبق من حيوان الأرض متحرك إلا تلف، فإذا استتم دورة تحللت عقد الفلك. فقال لهم فى أى يوم تتحلل عقد الفلك، فقالوا له اليوم الثانى من وجود الفلك. قال فتعجب الملك من ذلك، وأمر بكل ما قاله العلماء من هذه الحكم أن تخلّد فى الكتب، وتستودع فى تلك الأهرام؛ فيقال إن فيها علم الأولين والآخرين.