المعجزة والآية البينة فى ٤ أشهر، وقيل فى ٩٠ يوما، وشق تلك الخلجان الثلاثة فلما فرغ يوسف عم من عمل الفيوم وأعلم بذلك الملك، خرج هو ووزراؤه وأهل دولته ينظرون إلى ما صنع يوسف عم، فلما نظر الملك إلى حكمة صنع ذلك الموضع فى مدة يسيرة، قال الملك لوزرائه: هذا عمل ألف يوم؛ فسمى الفيوم من حينئذ. قيل فسر الملك بيوسف سرورا عظيما وخلع عليه وألبسه تاجا مكللا بفاخر الجوهر، وأمر الجيش أن يركب معه ويطاف به ويرد إلى القصر ويجلس على سرير العزيز. وكان العزيز قد مات فاستخلفه الملك على ملكه، وسماه العزيز وزوجه امرأته زليخة، فدخل بها يوسف عم فوجدها عذراء فقال لها هذا أصلح مما أردت، فقالت له اعذرنى فإن زوجى كان عنينا، ولم تكن تراك امرأة فى حسنك وجمالك إلا صبا قلبها إليك.
قيل فلما جاءت سنين الخصب أخذ يوسف فى توفير الغلات والاستكثار من الأقوات، وبنى لاختزان الزرع مخازن عظيمة، ويقال إن بعضها باق إلى الآن فإن الطعام كان يختزن بسنبله كما ذكر الله تعالى. فلما جاءت سنين الجدب ونقص فيض النيل وتوالى نقصانه فأحسن يوسف عم السياسة والتدبير فى تلك المجاعة، وقسط بيع الزرع بين الناس فلا يبيع لأحد إلا بقدر حتى ساوى بين الناس؛ ولولا ذلك لهلك الناس. وقيل إنه صار ليوسف جميع أموال أهل مصر بما باع منهم من الطعام، فإنه باع منهم بالذهب والفضه والحلى والثياب والدواب والأبنية والعقار، وبجميع ما بأيديهم من الأموال، حتى أنه يقال إنهم باعوا منه أولادهم ونساءهم وأنفسهم حتى صاروا له كلهم عبيدا، وتلك كرامة من الله أكرمه بها لأجل ما بيع ببلدهم «١» . فمن ذلك الوقت صارت أرض مصر كلها للسلطان ليس للرعية فيها ضيعة ولا فدان. وقد اعترضهم بعض ولاة مصر فى أيام بنى عبيد الذين كانوا بها قبل اليوم ملوكا، وأراد أخذ ديارهم واحتج عليهم بهذا القول. قيل وقحط أهل الشام فى ذلك الوقت، فكان من أمر يوسف مع أخوته ما قصه الله تعالى فى كتابه. فوجه يوسف عم إلى أبيه وحمله من الشام إلى مصر بجميع أهله وولده، فلما قرب يعقوب عم من مصر خرج