فانصرف عنهم عبادة بن الصامت وأصحابه ولم ينعقد بينهم صلح على شىء، فألح عليهم المسلمون بالقتال حتى أذعن المقوقس لإعطاء الجزية عن القبط خاصة.
وأما الروم فيخيرون فى المقام على الجزية والخروج إلى أرض الروم، وتم ذلك «ا» بينهم وبين المسلمين؛ قيل فأحصى «ب» يومئذ جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط فكانوا ٦٠٠٠ ألف ممن بلغ الحلم، سوى الشيخ الفانى والصغير الناشئ والنساء. وفرض على كل رجل منهم دينارين فى السنة فكانت فريضتهم ١٢ ألف دينار، ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة ثم زادت بمن استقر بها من النصارى وغيرهم من النوبة ٣٠٠٠ دينار. فجعل عمرو يبحث عن الأموال ويضمها إلى بيت مال المسلمين، فذكر له أنه عند عظيم الصعيد مال كثير، فبعث إليه فيه فقال له ما عندى مال فسجنه. وسأل عمرو من كان يدخل إليه هل سمعوه يذكر أحدا، فقالوا له سمعناه يكثر ذكر راهب بالطور، فبعث عمرو فأتوا بخاتم المسجون فكتب كتابا على لسانه إلى ذلك الراهب بالرومية وختم عليه، وبعث به إلى ذلك الراهب فأتى بقدرة نحاس مختومة بالرصاص فإذا فيها كتاب فيه: يا بنى إذا أردتم ما لكم فاحفروا تحت الفسقية. فبعث عمرو الأمناء إلى الفسقية وهى الساقية، فحفروا تحتها فاستخرجوا ٥٠ أردب دنانير، والأردب نحو قنطار ونصف.
ثم أمر عمرو المسلمين ببناء دور يسكنونها بالفسطاط وهى مدينة مصر اليوم، وإنما سميت مدينة مصر بالفسطاط لأن عمرو بن العاص حين دخل مصر ضرب فسطاطه بذلك الموقع، فلما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم أمر بنزع الفسطاط فإذا فيه يمام قد فرخ، فقال عمرو لقد تحرم هذا منا بحرم، فأمر الفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه. فقام المسلمون من الإسكندرية بعد فتحها وقال الناس أين ننزل فقيل الفسطاط، لفسطاط عمرو الذي تركه فى المنزل مضروبا بالموضع الذي يعرف اليوم بدار الحصى. ثم بدأ عمرو ابن العاص ببناء المسجد وكان موضعه حدائق وأعناب فقطعت، ووضعوا أيديهم على البناء فلم يزل عمرو ومن حضر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قياما حتى وضعت القبة، فلما أتمه اتخذ فيه منبرا فكان يخطب عليه.
وقال أبو تميم الجهانى: فوصل ذلك عمر بن الخطاب رضه فكتب إلى عمرو ابن العاص: أما بعد فإنه بلغنى أنك اتخذت منبرا ترقى فيه على رقاب المسلمين