بحرهم البسّذ، وبها القبّة التي من الرصاص وهي في بعض مفاوزها، وذكر بعضهم أنه دخلها وعيان ما فيها، ووجد على لوح بها مكتوب عليه: يا ابن آدم خف الموت، وبادر الفوت، واستكثر من ادّخار صالح الأعمال، واعلم أن ذكر الموت يهون على اللسان، وأن الموت على الفراش أشدّ من ألف ضربة بالسيف، يا ابن آدم داو الموت بالطاعة، واعلم أن ملك الموت رؤوف بأهل الطاعة. يا ابن آدم إن كنت تحبّ نفسك فصنها عن المعاصي، واحملها على التعب الذي يعقبك الراحة، وأعدّ للسفر البعيد زادا، فإنّ من رحل بلا زاد عطب. يا ابن آدم ما أقسى قلبك تعمر دارا تخرب، وتخرب دارا تبقى، يا ابن آدم خذ لنفسك من نفسك، واعرف المذاهب بالأسباب، فإن سبب العقل المداراة، وسبب المزيد الشكر، وسبب زوال النعمة البطر، وسبب المروّة الأنفة، وسبب الأدب المواظبة، وسبب البغضاء الحسد، وسبب المحبّة الهديّة، وسبب الأخوّة البشاشة، وسبب القطيعة المعاتبة، وسبب الفقر إسراف المال، وسبب العداوة المراء، وسبب المحبّة السخاء، وسبب قضاء الحوائج الرفق، وسبب المذلّة مسألة الناس، وسبب الحرمان الكسل، وسبب الريبة مصاحبة الريب، وسبب النبل العفاف، وسبب ثياب العقل المرأة الصالحة، وسبب الغناء قلّة الفساد، وسبب الغضب الصّلف، والخير كلّه يجمعه العقل، ومن لا عقل له ولا حياء فلا خير في صحبته قال: وإذا خوان موضوع هناك من ملح قدر ما يأكل عليه ألف رجل مكتوب عليه: يا ابن آدم قد أكل على هذا الخوان مائة ملك، كلّهم مصاب بعينه اليسرى، فكم كان الأصحّاء؟ يا ابن آدم قد قضم في هذه القبّة مائتا ألف ملك، وقد رام حمل هذا الخوان واللوح ألف ملك فماتوا كلّهم.
قال: فدعاني قيصر فسألني عنه ففسّرته له فبكى ثم قال: لله درّ العرب ما أعظم أحلامها، وأكرم فروعها، ثم وصلني وأحسن جائزتي، ووجّه معي من أخرجني من بلاده.
قال أبو المنذر: سمّيت الروم بني الأصفر لأنه لمّا مات ملكهم لم يبق منهم من يصلح للملك إلّا امرأة، فأجمعوا أن يملّكوا عليهم أوّل طالع من الفجّ فطلع