من غزوهم سكنوا فيه. فكتب إليه عمر: أن أوتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته. فكتب إلى عمر: إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة «١» في طرف البر إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. فلما قرأ عمر كتابه قال: هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمراعي والمحتطب. وكتب إليه أن أنزلها. فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم وكانت تسمى الدهناء، وفيها السجن والديوان وحمام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء. فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو. فإذا عادوا أعادوا بناءه. فلم يزل كذلك حتى استعمل عمر أبا موسى الأشعري وعزل المغيرة بن شعبة فبنى المسجد بلبن وكذلك دار الإمارة. فلم تزل على تلك الحال. فكان الإمام إذا أراد أن يصلي تخطّى الناس حتى ينتهي إلى القبلة. فلما استعمل معاوية زيادا على البصرة، قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس. ولكني أحول دار الإمارة إلى قبلة المسجد. فحوّل دار الإمارة من الدهناء وزاد في المسجد زيادة كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص والآجر وسقفه [٦ ب] بالساج. فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه أهل البصرة. فقال: هل ترون خللا؟ قالوا: لا نعلم بناء أحكم منه. قال: بلى، هذه الأساطين التي على كل واحدة أربعة «٢» عقود، لو كانت أغلظ من سائر الأساطين كان أحكم لها.
وقال أبو عبيدة عن يونس: ولم يؤت منهن قط صدع ولا ميل ولا عيب.
وقال حارثة بن بدر الغداني:
بنى زياد لذكر الله مصنعة ... بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين
لولا تعاور أيدي الرافعين له ... إذا ظنّناه أعمال الشياطين
وجاء بسواريه من الأهواز. وكان ولي بناءه الحجاج بن عتيق الثقفي.